01 نوفمبر 2018

شجر الدر وعز الدين أيبك

يقول المقريزي في كتابه السلوك لمعرفة دول الملوك عن الملكة شجر الدر :
 هي الملكة عصمَة الدّين أم خَلِيل شجر الدّرّ كَانَت تركية الْجِنْس وَقيل بل أرمنية اشْتَرَاهَا الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب وحطت عِنْده بِحَيْثُ كَانَ لَا يفارقها سفرا وَلَا حضرا. وَولدت مِنْهُ ابْنا اسْمه خَلِيل مَاتَ وَهُوَ صَغِير. وَهَذِه الْمَرْأَة شجر الدّرّ هِيَ أول من ملك مصر من مُلُوك التّرْك المماليك وَذَلِكَ أَنه لما قتل الْملك الْمُعظم غياث الدّين تورانشاه ابْن الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب كَمَا تقدم ذكره اجْتمع الْأُمَرَاء المماليك البحرية وأعيان الدولة وَأهل المشورة بالدهليز السلطاني وَاتَّفَقُوا على إِقَامَة شجر الدّرّ أم خَلِيل زَوْجَة الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب فِي مملكة مصر وَأَن تكون العلامات السُّلْطَانِيَّة على التواقيع تبرز من قبلهَا وَأَن يكون مقدم الْعَسْكَر الْأَمِير عز الدّين أيبك التركماني الصَّالِحِي أحد البحرية. وحلفوا على ذَلِك فِي عَاشر صفر وَخرج عز الدّين الرُّومِي من المعسكر إِلَى قلعة الْجَبَل وأنهى إِلَى شجر الدّرّ مَا جرى من الِاتِّفَاق فأعجبها وَصَارَت الْأُمُور كلهَا معقودة بهَا والتواقيع تبرز من قلعة الْجَبَل وعلامتها عَلَيْهَا وَالِدَة خَلِيل. وخطب لَهَا على مَنَابِر مصر والقاهرة وَنقش اسْمهَا على السِّكَّة ومثاله المستعصمة الصالحية ملكة الْمُسلمين وَالِدَة الْملك الْمَنْصُور خَلِيل أَمِير الْمُؤمنِينَ وَكَانَ الخطباء يَقُولُونَ فِي الدُّعَاء: اللَّهُمَّ أَدَم سُلْطَان السّتْر الرفيع والحجاب المنيع ملكة الْمُسلمين وَالِدَة الْملك الْخَلِيل وَبَعْضهمْ يَقُول بعد الدُّعَاء للخليفة: واحفظ اللَّهُمَّ الْجُبَّة الصالحية ملكة الْمُسلمين عصمَة الدُّنْيَا وَالدّين أم خَلِيل المستعصمية صَاحِبَة الْملك الصَّالح.

ثم تزايدت الوحشة بَين الْملك الْمعز أيبك وَبَين شجر الدّرّ فعزم على قَتلهَا. وَكَانَ لَهُ منجم قد أخبرهُ أَن سَبَب قتلته امْرَأَة فَكَانَت هِيَ شجر الدّرّ. وَذَلِكَ أَنه كَانَ قد غير عَلَيْهَا وَبعث يخْطب ابْنة صَاحب الْموصل. وأتفق أَن الْمعز قبض على عدَّة من البحرية وَهُوَ على أم البادر وسيرهم ليعتقلوا بقلعة الْجَبَل وَفِيهِمْ أيدكين الصَّالِحِي. فَلَمَّا وصلوا تَحت الشباك الَّذِي تجْلِس فِيهِ شجر الدّرّ علم أيدكين أَنَّهَا هُنَاكَ فخدم بِرَأْسِهِ وَقَالَ التركي: الْمَمْلُوك أيدكين بشمقدار وَالله يَا خوند مَا علمنَا ذَنبا يُوجب مسكنا إِلَّا أَنه لما سير يخْطب بنت صَاحب الْموصل مَا هان علينا لِأَجلِك فَإنَّا تربية نِعْمَتك ونعمة الشَّهِيد المرحوم فَلَمَّا عتبناه تغير علينا وَفعل بِنَا مَا تَرين فأومأت شجر الدّرّ إِلَيْهِ بمنديل يَعْنِي: لقد سَمِعت كلامك فَلَمَّا نزلُوا بهم إِلَى الْجب قَالَ أيدكين: إِن كَانَ حبسنا فقد قَتَلْنَاهُ. وَكَانَت شجر الدّرّ قد بعثت نصرا العزيزي بهدية إِلَى الْملك النَّاصِر يُوسُف وأعلمته أَنَّهَا قد عزمت على قتل الْمعز والتزوج بِهِ وممليكه مصر. فخشي الْملك النَّاصِر يُوسُف أَن يكون هَذَا خديعة فَلم يجبها بِشَيْء. وَبعث بدر الدّين لُؤْلُؤ صَاحب الْموصل يحذر الْملك الْمعز من شجر الدّرّ وَأَنَّهَا باطنت الْملك النَّاصِر يُوسُف فتباعد مَا بَينهمَا وعزم على إنزالها من القلعة إِلَى دَار الوزارة. وَكَانَت شجر الدّرّ قد استبدت بِأُمُور المملكة وَلَا تطلعه عَلَيْهَا وتمنعه من الِاجْتِمَاع بِأم ابْنه وألزمته بِطَلَاقِهَا وَلم تطلعه على ذخائر الْملك الصَّالح. فَأَقَامَ الْملك الْمعز بمناظر اللوق أَيَّامًا حَتَّى بعثت شجر الدّرّ من حلف عَلَيْهِ. فطلع القلعة وَقد أعدت لَهُ شجر الدّرّ خَمْسَة ليقتلوه: مِنْهُم

 محسن الْجَوْجَرِيّ وخادم يعرف بنصر العزيزي ومملوك يُسمى سنجر. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع عشري شهر ربيع الأول ركب الْملك الْمعز من الميدان بِأَرْض اللوق وَصعد إِلَى قلعة الْجَبَل آخر النَّهَار. وَدخل إِلَى الْحمام لَيْلًا فأغلق عَلَيْهِ الْبَاب محسن الْجَوْجَرِيّ وَغُلَام كَانَ عِنْده شَدِيد الْقُوَّة ومعهما جمَاعَة. وقتلوه بِأَن أَخذه بَعضهم بأنثييه وبخناقه فاستغاث الْمعز بشجرة الدّرّ فَقَالَت اتركوه فَأَغْلَظ لَهَا محسن الْجَوْجَرِيّ فِي القَوْل وَقَالَ لَهَا: مَتى تَرَكْنَاهُ لَا يبقي علينا وَلَا عَلَيْك ثمَّ قَتَلُوهُ.وَبعثت شجر الدّرّ فِي تِلْكَ اللَّيْلَة إِصْبَع الْمعز وخادمة إِلَى الْأَمِير عز الدّين أيبك الْحلَبِي الْكَبِير وَقَالَت لَهُ: قُم بِالْأَمر فَلم يَجْسُر وَأشيع أَن الْمعز مَاتَ فَجْأَة فِي اللَّيْل وَأَقَامُوا الصائح فِي القلعة فَلم تصدق مماليكه بذلك: وَقَامَ الْأَمِير لَهُم الدّين سنجر الغتمي - وَهُوَ يَوْمئِذٍ شَوْكَة البحرية وشديدهم - وبادر هُوَ والمماليك إِلَى الدّور السُّلْطَانِيَّة وقبضوا على الخدام والحريم وعاقبوهم فأقروا بِمَا جرى. وَعند ذَلِك قبضوا على شجر الدّرّ ومحسن الْجَوْجَرِيّ نَاصِر الدّين حلاوة وَصدر الباز وفر العزيزي إِلَى الشَّام. فَأَرَادَ مماليك الْمعز قتل شجر الدّرّ فحماها الصالحية ونقلت إِلَى البرج الْأَحْمَر بالقلعة ثمَّ لما أقيم ابْن الْمعز فِي السلطنة حملت شجر الدّرّ إِلَى أمه فِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشريه فضربها الْجَوَارِي بالقباقيب إِلَى أَن مَاتَت فِي يَوْم السبت. وألقوها من سور القلعة إِلَى الخَنْدَق وَلَيْسَ عَلَيْهَا سَرَاوِيل وقميص فبيت فِي الخَنْدَق أَيَّامًا وَأخذ بعض أراذل الْعَامَّة تكتة سراويلها. ثمَّ دفنت بعد أَيَّام - وَقد نتنت وحملت فِي قفة - بتربتها قريب الشهد النفيسي. وَكَانَت من قُوَّة نَفسهَا لما علمت أَنَّهَا قد أحيط بهَا أتلفت شَيْئا كثيرا من الْجَوَاهِر واللآلئ كَسرته فِي الهاون. وصلب محسن الْجَوْجَرِيّ على بَاب القلعة ووسط تَحت القلعة أَرْبَعُونَ طواشياً وصلبوا من القلعة إِلَى بَاب زويلة. وَقبض على الصاحب بهاء الدّين بن حنا لكَونه وَزِير شجر الدّرّ وَأخذ خطة بستين ألف دِينَار. فَكَانَت مُدَّة سلطنة الْملك الْمعز سبع سِنِين تنقص ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وعمره نَحْو سِتِّينَ سنة وَكَانَ ملكا حازماً شجاعاً سفاكاً للدماء: قتل خلقا كثيرا وشنق عَالما من النَّاس بِغَيْر ذَنْب ليوقع فِي الْقُلُوب مهابته وأحدث مظالم ومصادرات.

30 أكتوبر 2018

الحملة الصليبية علي دمياط

يحكي المقريزي عن الحملة الصليبية علي دمياط في كتابه " السلوك لمعرفة دول الملوك " فيقول عن أحداث عام 615 هجريا :" فيها اجتمع رأي الفرنجة علي الرحيل من عكا إلي مصر والإجتهاد في تملكها فأقلعوا في البحر وأرسو علي دمياط علي بر جيزة دمياط صار النيل بينهم وبين البلد وكان إذ ذاك علي النيل برج منيع في غاية القوة والإمتناع فيه سلاسل من حديد عظام القدر والغلظ تمتد في النيل لتمنع المراكب الواصلة في بحر الملح من عبور أرض مصر وتمتد هذه السلاسل في برج آخر يقابله وكانا مشحونين بالمقاتلة ويعرف اليوم مكانهما في دمياط ببين البرجين وصار الفرنج في غربي النيل فأحاطوا علي معسكرهم خندقا وبنوا بدائره سورا وأخذوا في محاربة أهل دمياط وعملوا آلات ومرمات وأبراجا متحركة يزحفون بها في المراكب إلي برج السلسلة ليملكوه حتي يتمكنوا من البلد "فخرج السلطان الملك الكامل لمواجهتهم وكان يحكم مصر بتكليف من والده الملك العادل اللذي توفي في نفس العام فاستقل الكامل بحكم مصر....وألح الفرنج في مقاتلة أهل البرج فلم يظفروا بشئ وكُسرت مرماتهم وآلاتهم وتمادي الأمر علي ذلك أربعة أشهر حتي نجح الفرنج في الإستيلاء علي برج السلسلة وقطعوا السلاسل المتصلة به لتعبر مراكبهم في بحر النيل ويتمكنوا من أرض مصر فنصب الملك الكامل عوضا عن السلاسل جسرا عظيما يمنع الفرنج من عبور النيل فقاتل الفرنج عليه قتالا كثيرا حتي قطعوه وكان قديما أنفق علي هذا البرج والجسر ما ينيف علي سبعين الف دينار فأمر الكامل بتغريق عدة مراكب في النيل منعت الفرنجه من سلوكه فعدل الفرنجة إلي خليج هناك يعرف بالأزرق كان النيل يجري فيه قديما فحفروه حفرا عميقا وأجروا فيه الماء إلي البحر الملح فجرت سفنهم فيه إلي ناحية بورة_علي ساحل البحر المتوسط من

 ناحية بحيرة البرلس وإليها ينسب السمك البوري_ لمواجهة الملك الكامل فلما وصلوا بورة قاتلوه في الماء وزحفوا عليه غير مرة فلم ينالوا منه غرضا طائلا ولم يضر أهل دمياط ذلك لتواصل الإمداد والميرة إليهم وكون النيل يحجز بينهم وبين الفرنج بحيث كانت أبواب المدينة مفتحة وليس عليها حصر ولا ضيق البتة هذا والعربان تخطف الفرنج في كل ليلة بحيث منعهم ذلك من الرقاد خوفا من غاراتهم فتكالب العرب عليهم حتي صاروا يختطفونهم نهارا ويأخذون الخيم بمن فيها فأكمن لهم الفرنج عدة كمناء وقتلوا منهم خلقا كثيرا وأدرك الناس الشتاء فهاج البحر علي معسكر المسلمين وغرق الخيم فعظم البلاء واشتد الكرب وألح الفرنج في القتال ولم يبق إلا أن يملكوا البلاد فأرسل الله سبحانه ريحا قطعت مراسي مرمة كانت للفرنج من عجائب الدنيا _عبارة ست سفن ضخمة تم ربطهم في بعض وتم تصفيحهم بالحديد فكانت كالمدينة الصغيرة_ فمرت تلك المرمة إلي البر الذي فيه المسلمين فملكوها فإذا هي مصفحة بالحديد لا تعمل فيها النار ومساحتها خمسمائة ذراع وفيها من المسامير ما زنة الواحد منها خمسة وعشرون رطلا وبعث السلطان إلي الآفاق سبعين رسولا يستنجد أهل الإسلام علي قتال الفرنج ويستحثهم علي إنقاذ المسلمين منهم وإغاثتهم ويخوفهم من تغلب الفرنج علي مصر فإنه متي ملكوها لا يمتنع عليهم شيئ من الممالك بعدها فقدمت النجدات من الشام من عند الملك المعظم عيسي والأشرف موسي اخوة الملك الكامل...ولكن حدث بعد موت الملك العادل أن ثار العرب بنواحي أرض مصر وكثر خلافهم واشتد ضررهم واتفق مع ذلك حدوث خلاف بين بعض كبار الأمراء وحدث تمرد وقرر بعضهم تنصيب الفائز أخو الكامل ملكا علي مصر فلما عرف الكامل خشي علي نفسه فهرب إلي "أشموم طناح" في الدقهلية فنزل بها فأصبح العسكر وقد فقدوا السلطان فركب كل أحد هواه ولم يعرج واحد منهم علي آخر وتركوا أثقالهم وخيامهم وأموالهم وأسلحتهم ولم يأخذ كل أحد إلا ما خف حمله فبادر الفرنج عند ذلك وعبروا بر دمياط وهم آمنون من غير منازع ولا مدافع واخذوا كل ما كان في معسكر المسلمين وكان شيئا لا يقدر قدره فتزلزل الملك الكامل وهم بمفارقة أرض مصر ثم تثبت فتلاحق به العسكر وبعد يومين وصل إليه أخوه الملك المعظم عيسي صاحب دمشق فقويت به شوكته وقوي ساعده هذا والفرنج قد أحاطوا بدمياط من البحر والبر وأحدقوا بها وحصروها وضيقوا علي أهلها ومنعوا الأقوات أن تصل إليهم وحفروا علي معسكرهم المحيط بدمياط
خندقا وبنوا عليه سورا وأهل دمياط يقاتلونهم أشد القتال وأنزل الله عليهم الصبر فثبتوا مع قلة الأقوات عندهم وشدة غلاء الأسعار وأخذ الكامل في محاربة الفرنج وهم قد حالوا بينه وبينها ولم يصل إليه أحد من عنده سوي رجل من الجاندارية وكان هذا الرجل قد قدم إلي القاهرة من بعض قري حماة ويسمي "شمايل" فتوصل حتي صار يخدم في الركاب السلطاني جاندارا وكان يخاطر بنفسه ويسبح في النيل ومراكب الفرنج به محيطة والنيل قد امتلأ بشواني_سفن_الفرنج فيدخل إلي مدينة دمياط ويأتي السلطان بأخبار أهلها فإذا دخل إليها قوي قلوب أهلها ووعدهم بقرب وصول النجدات فحظي بذلك عند الكامل وتقدم تقدما كثيرا وجعله أمير جانداره وسيف نقمته وولاه القاهرة وإليه تنسب خزانة شمايل_سجن مشهور في القاهرة مكانه الآن جامع المؤيد شيخ_واشتد قتال الفرنج وعظمت نكايتهم لأهل دمياط وكان فيها نحو العشرين ألف مقاتل فنهكتهم الأمراض وغلت عندهم الأسعار حتي بيعت البيضة الواحدة من بيض الدجاج بعدة دنانير وامتلأت الطرقات من الأموات وعدمت الأقوات وصار السكر في عزة الياقوت وفقدت اللحوم فلم يقدر عليها بوجه وآلت بالناس الحال إلي أن لم يبق عندهم غير الشيئ اليسير من القمح والشعير فقط فتسور الفرنج السور وملكوا منه البلد فكانت مدة الحصار ستة عشر شهرا واثنين وعشرين يوما وعندما أخذوا دمياط اعملوا السيف في الناس فم يُعرف عدد من قتل لكثرتهم ورحل السلطان بعد ذلك بيومين وخيم بالمنزلة التي عرفت بالمنصورة وحصن الفرنج أسوارا في دمياط وجعلوا جامعها كنيسة وبثوا سراياهم في القري يقتلون ويأسرون فعظم الخطب واشتد البلاء وندب السلطان الناس وفرقهم في الأرض فخرجوا إلي الآفاق يستصرخون الناس لإستنقاذ أرض مصر من أيدي الفرنج وشرع السلطان

 في بناء الدور والفنادق والحمامات والأسواق بمنزلة المنصورة وجهز الفرنج من حصل في أيديهم من أساري المسلمين في البحر إلي عكا وبرزوا من مدينة دمياط يريدون أخذ مصر والقاهرة فنازلوا السلطان تجاه المنصورة وصار بينهم وبين العسكر بحر أشموم وبحر دمياط وكان الفرنج في مائتي ألف رجل وعشرة الاف فارس فقدم السلطان الشواني_السفن الحربية_ تجاه المنصورة وهي مائة قطعة واجتمع الناس من أهل مصر وسائر النواحي ما بين أسوان والقاهرة ونودي بالنفير العام فأجمع من المسلمين عالم لا يقع عليه حصر فحوصر الفرنج وانقطع عنهم الميرة من البر والبحر وقدمت النجدات للملك الكامل من بلاد الشام وخرجت أمم الفرنج من داخل البحر تريد مدد الفرنج علي دمياط فوافي دمياط منهم طوائف لا حصر لها فلما تكامل جمعهم بدمياط خرجوا منها في حدهم وحديدهم وقد زين لهم سوء عملهم أن يملكوا أرض مصر ويستولوا منها علي مماليك البسيطة كلها وقدمت النجدات للملك الكامل من الشام فوصل عدد فرسان المسلمين نحو أربعين الفا فحاربوا الفرنج في البر والبحر وكانت العامة تكر علي الفرنج أكثر ما يكر عليهم العسكر واخذوا منهم ست شواني وجلاسة وبطسه "أنواع من السفن الحربية" وأسروا منهم الفين ومائتي رجل ثم ظفروا أيضا بثلاث قطائع- نوع آخر من المراكب الحربية- فتضعضع الفرنج لذلك وضاق بهم المقام وبعثوا يسألون في الصلح ولكن بشروط منها أخذ القدس وعسقلان وطبرية وجبلة واللاذقية وسائر مافتحه السلطان صلاح الدين من بلاد الساحل فأجابهم الملوك إلي ذلك ما خلا الكرك والشوبك..؟؟؟ فأبي الفرنج وقالوا لا نسلم دمياط حتي تسلموا ذلك كله فرضي الكامل ؟؟؟؟؟ فامتنع الفرنج وقالوا لابد أن تعطونا خمسمائة الف دينار لنعمر ماخربتم من أسوار القدس مع اخذ ما ذكر من البلاد مع اخذ الشوبك والكرك ايضا فاضطر المسلمون إلي قتالهم وعبر جماعة من المسلمين في بحر المحلة إلي الأرض التي عليها معسكر الفرنج وفتحوا مكانا عظيما في النيل وكان الوقت في قوة الزيادة فلم يشعر الفرنج إلا والماء قد غرق أكثر الأرض التي هم عليها وصار حائلا بينهم وبين دمياط واصبحوا وليس لهم جهة يسلكونها سوي جهة واحدة ضيقة فأمر السلطان في الحال بنصب الجسور عند بحر أشموم طناح ليعبر عساكر المسلمين عليها وملكت الطريق التي تسلكها الفرنج الي دمياط فانحصروا من سائر الجهات وقدر الله تعالي أن تصل فرقة عظيمة في البحر للفرنج وحولها عدة حراقات تحميها وسائرها مشحونة بالميرة والسلاح وسائر ما يحتاج اليه فأوقع شواني الإسلام وكانت بينهما حرب أنزل الله فيها نصره علي المسلمين فظفروا بها وبما معها من الحراقات ففت ذلك في أعضاد الفرنج وألقي في جنوبهم الرعب والذلة بعدما كانوا في غاية الإستظهار والعنت علي المسلمين وعلموا أنهم مأخذون لا محالة وعظمت نكاية المسلمين بهم برميهم إياهم بالسهام وحمل علي أطرافهم فأجمعوا أمرهم علي مناهضة المسلمين ظنا منهم أنهم يصلون إالي دمياط فخربوا خيامهم ومجانيقهم وعزموا علي أن يحطموا "يهجموا" حطمة واحدة فلم يجدوا إلي ذلك سيبلا لكثرة الوحل والمياه التي قد ركبت الأرض من حولهم فعجزوا عن الإقامة لقلة الأزواد عندهم ولاذوا إلي طلب الصلح وبعثوا يسألون الملك الكامل وأخوته الأشرف والمعظم الأمان لأنفسهم وأنهم يسلمون دمياط بغير عوض فاٌقتضي رأي الملك الكامل إجابتهم واقتضي رأي غيره من إخوته مناهضتهم واجتثاث أصلهم فخاف الملك الكامل إن فعل ذلك أن يمتنع من بقي منهم بدمياط أن يسلمها ويحتاج الحال إلي منازلتها مدة فإنها كانت ذات أسوار منيعة وزاد الفرنج عندما استولوا عليها في تحصينها ولا يؤمن في طول محاصرتها أن يفد ملوك الفرنج لنجدة من فيها وطلب ثأر من قتل من أكابرهم هذا وقد ضجرت عساكر المسلمين وملت من طول الحرب فإنها مقيمة في محاربة الفرنج ثلاث سنين وأشهرا وما زال الكامل قائما في

 تأمين الفرنج إلي أن وافقه بقية الملوك علي أن يبعث الفرنج برهائن من ملوكهم لا من أمرائهم إلي أن يسلموا دمياط فطلب الفرنج أن يكون إبن الملك الكامل عندهم إلي أن تعود إليهم رهائنهم فتقرر الأمر علي ذلك وحلف كل من ملوك المسلمين والفرنج وبعث الفرنج بعشرين ملكا من ملوكهم رهنا منهم يوحنا صاحب عكا ونائب البابا وبعث إليهم الملك الكامل إبنه الملك الصالح نجم الدين ايوب وعمره يومئذ خمسة عشر عاما ومعه جماعة من خواصه...وتسلم المسلمون مدينة دمياط يوم الأربعاء التاسع عشر من شهر رجب فلما تسلمها المسلمون قدم في ذلك اليوم من الفرنجة نجدة عظيمة يقال أنها الف مركب فعد تأخيرهم إلي ما بعد تسليمها من الفرنج صنعا جميلا من الله سبحانه وتعالي وشاهد المسلمون عندما تسلموا دمياط من تحصين الفرنج لها ما لا يمكن أخذها بالقوة ثم تبادل الطرفان الرهائن وتقررت الهدنة بين الطرفين لمدة ثماني سنين لا يستثني منها سوي أصحاب التيجان من ملوك أوروبا فإن لهم حق نقضها ولقد كانت الحملة التي وصلت بعد توقيع الهدنة من طرف فردريك الثاني إمبراطور الدولة الرومانية المقدسة قادرة علي كسر الهدنة ولكن وجود الرهائن من الملوك عند المصريين أخاف الفرنج من عواقب ذلك..وحلف ملوك المسلمين وملوك الفرنج علي الهدنة فكانت مدة إستيلاء الفرنج علي دمياط سنة واحدة وعشرة أشهر وأربعة وعشرين يوما

29 أكتوبر 2018

كيف مات توران شاه

كيف مات توران شاه بن الملك الصالح نجم الدين أيوب آخر سلاطين الأيوبيين..يقول المقريزي :
"أَن السُّلْطَان الْمُعظم أعرض عَن مماليك أَبِيه الَّذين كَانُوا عِنْده لمهماته واطرح الْأُمَرَاء والأكابر أهل الْحل وَالْعقد وَأبْعد غلْمَان أَبِيه واختص بجماعته الَّذين قدمُوا مَعَه وولاهم الْوَظَائِف السُّلْطَانِيَّة. وَقدم الأراذل: وَجعل الطواشي مَسْرُورا - هُوَ خادمه - أستادار السُّلْطَان وَأقَام صبيحاً - وَكَانَ عبدا حَبَشِيًّا فحلاً - أَمِير جاندار _أي حاجب يستأذن في دخول الأمراء علي السلطان_وأنعم عَلَيْهِ بأموال كَثِيرَة وإقطاعات جليلة وَأمر أَن يصاغ لَهُ عَصا من ذهب. وأساء السُّلْطَان إِلَى المماليك وتوعدهم وَصَارَ إِذا سكر فِي اللَّيْل جمع مَا بَين يَدَيْهِ من الشمع وَضرب رءوسها بِالسَّيْفِ حَتَّى تتقطع وَيَقُول: هَكَذَا أفعل بالبحرية_يقصد المماليك البحرية_ وَيُسمى كل وَاحِد مِنْهُم باسمه. واحتجب أَكثر من أَبِيه مَعَ الانهماك على الْفساد بمماليك أَبِيه وَلم يَكُونُوا يألفون هَذَا الْفِعْل من أَبِيه وَكَذَلِكَ فعل بحظايا أَبِيه.وَصَارَ مَعَ هَذَا جَمِيع الْحل وَالْعقد وَالْأَمر وَالنَّهْي لأَصْحَابه الَّذين قدمُوا مَعَه فنفرت قُلُوب البحرية مِنْهُ وَاتَّفَقُوا على قَتله وَمَا هُوَ إِلَّا أَن مد السماط بعد نُزُوله بفارسكور فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ سادس عشري الْمحرم وَجلسَ السُّلْطَان على عَادَته تقدم إِلَيْهِ وَاحِد من البحرية - وَهُوَ بيبرس البندقداري الَّذِي صَار إِلَيْهِ ملك مصر - وضربه بِالسَّيْفِ: فَتَلقاهُ الْمُعظم بِيَدِهِ فَبَانَت أَصَابِعه والتجأ إِلَى البرج الْخشب الَّذِي نصب لَهُ بفارسكور وَهُوَ يَصِيح: من جرحني. قَالُوا: الحشيشة _ طائفة الحشاشين اللذين اشتهروا بالإغتيالات السياسية_فَقَالَ: لَا وَالله إِلَّا البحرية "المماليك البحريه" وَالله لَا أبقيت مِنْهُم بَقِيَّة واستدعى المزين ليداوي يَده. فَقَالَ البحرية بَعضهم لبَعض: تمموه وَإِلَّا أبادكم فَدَخَلُوا عَلَيْهِ بِالسُّيُوفِ. ففر الْمُعظم إِلَى أَعلَى البرج وأغلق بَابه وَالدَّم يسيل من يَده فأضرموا النَّار فِي البرج ورموه بالنشاب فَألْقى نَفسه من البرج وَتعلق بأذيال الْفَارِس أقطاي واستجار بِهِ فَلم يجره وفر الْمُعظم هَارِبا إِلَى الْبَحْر وَهُوَ يَقُول: مَا أُرِيد ملكا دَعونِي أرجع إِلَى الْحصن يَا مُسلمين مَا فِيكُم من يصطعني ويجيرني هَذَا وَجَمِيع الْعَسْكَر واقفون فَلم يجبهُ أحد والنشاب يَأْخُذهُ من كل نَاحيَة. وسبحوا خَلفه فِي المَاء وقطعوه بِالسُّيُوفِ قطعا حَتَّى مَاتَ جريحاً حريقاً غريقاً وفر أَصْحَابه واختفوا. وَترك الْمُعظم على جَانب الْبَحْر ثَلَاثَة أَيَّام منتفخاً لَا يقدر أحد أَن يتجاسر على دَفنه إِلَى أَن شفع فِيهِ رَسُول الْخَلِيفَة "
مات جريحا حريقا غريقا..موته يستحقها الكثير من السلاطين

آخرة المماليك- الجزء الرابع والأخير

عند الجيزة التقي جيش السلطان سليم مع جيش المماليك الصغير بقيادة الأمير شاربك ومعه مجموعة من أشجع أمراء المماليك ..فلما تقارب الجمعان انطلق الأمير شاربك و حمل عليهم حملة واحدة زلزلتهم فما كان جيش ابن عثمان إلا أن رموا عليهم بالمدافع و البندق وسائر ألات الحرب الحديثة التي لا يعلم عنها المماليك شيئا ورغم كل شيئ ثبت أمراء المماليك وقاتلوا قتال من يأس من الحياة و قاتل الأمير شاربك قتال الجبابرة فأمر السلطان سليم بأن يلتف حوله الجند لمحاصرته من كل جانب ولكن صار كل من يقترب منه يهلك فلم يقدروا عليه وكان يصرخ فيهم ويسبهم سبابا فاحشا وينادي علي السلطان سليم أين انت يا سليم يا من يريد أن يكون سيد الملوك و السلاطين ابرز إلي الميدان إن كنت سلطانا..آه يا جبان يا إبن الجبان يا من يقاتل المسلمين بالنيران ..ثم نظر يساره فوجد الروم يحاصرون الأمير دولتباي فمال عليهم ميلة منكرة كالأسد الغضبان وكذلك أبلي أمراء المماليك البلاء الحسن قتقهقرت قوات ابن عثمان وعجزوا العجز العظيم و ذاقوا البلاء العميم لأنهم في طول حياتهم ما قاسوا قتالا مثل هذا اليوم
ولم يتبق مع الأمير شاربك سوي خمسمائة فارس من الألفين وكان كل من هرب أو اصيب من المماليك الأتباع وليسوا من الأمراء فكل الأمراء خرجوا سالمين من المعركة الأولي ورغم قلة عددهم إلا أنهم حققوا نصرا كبيرا في الجولة الأولي نادي الأمير شاربك في الفرسان يحثهم علي الصبر و القتال وقال لهم اعلموا إنكم تقاتلوا عن حريمكم و أولادكم و اموالكم وبلادكم فمن قُتل منكم مات شهيدا ومن عاش منكم عاش سعيدا وأما هؤلاء فإنهم باغون عليكم.

و علي الجانب الآخر وبناءا علي نصيحة من خاير بك خرج السلطان بنفسه الي قادة جيشه يحثهم علي القتال ويعدهم بالترقي و العطاء الجزيل فلما كانت الجولة الثانية انقض الأمير شاربك و المماليك علي جنود الروم ففتكوا بهم واذاقوهم الذل و الهوان و كان الأمير شاربك كالأسد حتي هرب الجنود من أمامه وقالوا هذا ليس ببشر و لا أحد يطيق قتاله وحتي قادة جيش ابن عثمان أعجبوا بشجاعته وفروسيته ولم يجد السلطان سليم بدا من سحب قواته إلي ضفة النيل قاصدا الإنسحاب و اثناء ذلك شاهد الامير شاربك غبار كثيف من خلفه فنظر فإذا هم عرب غزالة للمرة الثانية فلجأ الي الخدعة و تظاهر بالهزيمة و أنه ينسحب بجنوده فطمع فيه العربان و طاردوه حتي بعد عن ميدان المعركة ثم دار و انقض عليهم كالأسد فولوا منهزمين ورغم أن عرب غزالة قد جاءوا لنصرة السلطان سليم إلا أنه أمر قواته برميهم بالبنادق و المدافع فقتل وجرح الكثير منهم وانسحب الباقون ووقفوا ينظرون ماذا يكون بين الفريقين..أما الأمير شاربك فقد طلب من احد أمراءه أن يأخذ مائة فارس ويحمي ظهره من هجمات العرب و أخذ هو ثلاثمائة فارس وهجم علي جيش ابن عثمان المكون من الآلاف المؤلفة وتخطي رمي البندق و المدافع حتي قالوا عنه أنه مجنون أو معه احد من الجن يساعده ..وانقضي النهار و الأمير شاربك ومعه العدد القليل ممن تبقي من أبطال المماليك يضربون أعناق جنود إبن عثمان يمينا ويسارا ولا يقدر عليهم احد حتي انسحب الجنود أمامه للمرة الثانية وهو واقف يسبهم..وفي الليل جاء رسول من عند طومانباي الي شاربك ليطلب منه اللحاق بالسلطان..قال شاربك أن السلطان لو كان لحق بهم اثناء المعركة لانتصروا علي ابن عثمان انتصارا ساحقا ولكن هذا من علامات زوال دولتهم و قال انه هو ورجاله لم يقاتلوا لأنفسهم بل قاتلوا عن حريمهم وديارهم وأموالهم و أولادهم ثم أمر من تبقي معه من الرجال بالرحيل ليلا ومروا من أمام جيش إبن عثمان ولم يجروء أحد علي الخروج لمواجهتم..وعند الوراق التقي طومانباي بشاربك و أحسن استقباله ومن تبقي معه من الأبطال ورفض لسلطان أن يترجل أيا منهم عن فرسه وسلم عليهم وهم علي ظهور الخيل..ثم اجتمع طومانباي مع الأمراء لينظروا في أمرهم فاستقر الأمر علي أن يرسل السلطان رسولا إلي عرب غزالة يستميلهم إليه ويعدهم بالعطاء الجزيل ولكن المحاولة باءت بالفشل
ثم خرج السلطان ومعه أمراء المماليك إلي قرية أم دينار ليبيتوا فيها ولكن في الصباح هجم عليهم جانبردي الغزالي علي رأس جيش من الروم و دارت ملحمة عظيمة بين الطرفين وكالعادة في منتصف المعركة أقبل عرب غزالة بخيلهم وانضموا إلي جيش جانبردي الغزالي فاشتد الأمر علي المماليك وكان السلطان طومان باي قد بارز جانبردي وجها لوجه وانتصر عليه وكاد أن يقتله لولا أن اقسم الأخير عليه أن يعفو عنه فعفا عنه السلطان وطلب منه الإنسحاب بقواته من المعركة ففعل وهو يضمر في قلبه شيئا ثم جاءت قوات اضافية أرسلها يونس باشا من القاهرة لمؤازرة السلطان سليم فتحير الجراكسة ولم يدروا مايفعلون فخطب فيهم الأمير شاربك يطلب منهم الثبات في المعركة ولكن فاجأة جائت خيل من خلفهم بقيادة الخائن جان بردي فحوصر المماليك من كل الجهات وقُتل منهم عدد كبير لم يُقتل في أي يوم سابق


وبعد أن إنقضي النهار وانفصلت القوات عن بعضها اجتمع طومانباي مع أمراءه وأقروا بزوال دولتهم واقترح طومانباي أن يذهب إالي قبيلة عرب محارب فإن طومانباي له سابقة فضل علي زعيمهم "حسن بن مرعي" وابن عمه "صقر" فهو من ولاهم علي القبيلة وهو من اطلق سراح حسن بن مرعي من الحبس بعد أن سجنه الغوري وكتب علي قيده "مُخلد" وقد أخذ عليه طومانباي العهود و المواثيق و الأيمان المغلظة أن يكون معه ظاهرا وباطنا..وفي الليل تحرك طومانباي ومن معه إلي قرية "سخا " من أعمال كفر الشيخ حيث حسن ابن مرعي والذي خرج في استقبال السلطان وأحسن استقباله فطلب منه السلطان أن يوفر لهم ملاذا آمنا فاقترح عليهم مكانا يقال له الغابة عبارة عن وادي له مدخل ضيق لا يمكن أن يدخله إلا فارس واحد ولذلك يسهل الدفاع عنه فلما تحركوا جميعا تجاه الوادي ووصلوا إليه انقبض قلب السطان حين رآه وقال لمن معه إني رأيت منام من يومين ..رأيت نفسي في هذا الوادي وقد احاطت بس خمسة كلاب سود تنهش في لحمي فارتبك أمراء المماليك و احتاروا في أمرهم حتي قال السلطان لأمراءه أنا احللكم فاذهبوا حيث شئتم و أنا سأسلم نفسي ولكن ابن مرعي حثهم علي الاختباء في الوادي سريعا عل العدو يكون في أثرهم وفعلا دخل السلطان و الأمراء إلي الوادي ورجع ابن مرعي إلي بلدته وهو متحير فهو يري أن المماليك قد زالت دولتهم فعلا ولا مجال لنصرهم وفي نفس الوقت هو قد أخذ العهد علي نفسه أن يكون مع السلطان..وفاجأة أقبلت خيل كثيرة علي البلدة فخرج إليهم ابن مرعي ليستطلع أمرهم فوجد جيشا من جنود السلطان سليم بقيادة خاير بك وجانبردي الغزالي الذي تتبع السلطان سليم في الليل ليعلم إلي أين يتجه ثم عاد إلي السلطان سليم يطلب إرسال قوة معه والعودة لمطاردة طومانباي فلما قابلوا ابن مرعي سألوه إذا كان يعلم أي أخبار عن طومانباي فقال لهم اللذي يدلكم عليه بغير حرب ماذا يكون له عندكم فأجذلوا له العطاء و وعدوه بوعود سخية له ولإبن عمه فلما عاد إلي بيته وحكي لوالدته وكانت من الصالحات فذكرته بفضل طومانباي عليه وما بينهما من العهود واقترحت عليه أن يرسل إلي طومانباي يخبره بالأمر فإن شاء قاتلهم وإن شاء هرب فوافقها في الأمر وخرج من عندها ولكن نفسه حدثته بعكس ذلك ولما اجتمع بإبن عمه استقر رأيهما علي أن يكونا مع السلطان سليم فإن المماليك قد زالت دولتهم..أما طومانباي فقد قال لأمرائه أنه رأي في المنام هذه الليلة قائلا يقول له إن رسول الله يقرئك السلام ويقول لك أن دولتكم قد زالت وعمركم قد فرغ و انت جارنا في الجنة بعد أربعة أيام فارجع عن القتال فلا فائدة فيه ثم رمي طومانباي سيفه وطلب من أمراءه أن يتفرقوا وبينما هم كذلك إلا وقد هجمت عليهم جنود ابن عثمان فركب فرسان المماليك وهجموا عليهم فلما رأي جانبردي الغزالي ذلك طلب من قواته أن يفسحوا طريقا للماليك وأن يسمحوا لهم بالهرب فإن طومانباي ليس معهم وفعلا خرج الأمراء كل منهم في إتجاه وفر البطل شاربك الأعور و أتجه إالي صديقه الحميم شيخ العرب أحمد بن بقر وحكي له ما حصل وطلب منه أن يأويه فترة من الزمن حتي يستطيع إرسال أبناءه وحريمه إلي خارج البلاد ثم يلحق بهم ولكن الخيانة كامنة في النفوس ففي الليل دخل ابن بقر علي الأمير شاربك ومعه عدد كبير من الرجال فضربه علي رأسه ثم قيدوه واخذوه أسيرا إلي جان بردي الغزالي اللذي فرح كثيرا بالقبض علي شاربك وأخذه ليقف بين يدي السلطان سليم..ووقف الأمير بين يدي السلطان وقفة الأبطال فلم يهتز ورد عليه في كل كلمة قالها وأفحمه فأمر السلطان بإلقاءه في السجن..أما طومانباي فقد القي بجميع أسلحته وعدته وقابل أعداءه وحيدا فريدا فدخل عليه الغزالي وخاير بك وحسن بن مرعي وأمروا الجنود أن يغمدوا سيوفهم فهو أعزل وربطوا يديه من الأمام وأركبوه بغلة وساروا به الي السلطان سليم اللذي فرح فرحا شديدا عندما وصلته الأخبار وأمر أن يعمل الديوان الملكي علي أبهي زينة و أن يقف الأمراء بين يديه و أن تضرب المدافع و أن تدق الطبلخانات ثم أمر بإحضار طومانباي وابن مرعي فلما دخل عليه سلم عليه سلام الملوك ولم ينقص مقامه وأمره بالجلوس وعاتبه علي ماحدث من القتال ودار بينهما حوار طويل تكلم فيه طومانباي بشجاعة وفصاحة حتي قال ابن عثمان والله إن مثل هذا الرجل لا يُقتل ولكن اخروه في الترسيم-السجن- حتي ينظروا في أمره..ولكن الخائنين خاير بك و الغزالي حرضا السلطان علي قتله فاستجاب لهما وأمر أيضا بقتل البطل شاربك الأعور.
وهنا ننقل عن ابن إياس لأن وصفه ليوم قتل طومانباي أدق وأكثر تفصيلا :
يقول ابن إياس : أنهم خرجوا بطومانباي راكبا علي أكديش _بغل_ وحوله أربعمائة عثماني وشقوا به القاهرة حتي وصلوا إلي باب زويله وهو لايدري ماذا ما يُفعل به فلما رأي الحبال علم أنهم يشنقونه فقال للناس من حوله اقرأوا الفاتحة لي ثلاث مرات ثم بسط يده فقرأ وقرأت الناس معه ثم قال للمشاعلي : إعمل شغلك
فلما وضعوا الخية في رقبته ورفعوا الحبل انقطع به وسقط وقيل انقطع به الحبل مرتين فلما شُنق صرخت الناس صرخة عظيمة وكُثر عليه الحزن والأسف وكان عمره وقتها نحو أربعة وأربعين عاما ..و تركوا جثته معلقة ثلاثة أيام حتي فاحت رائحتها وفي اليوم الثالث انزلوه ونُقلت جثته إالي مدرسة السلطان الغوري حيث غسلوه و كفتوه وصلوا عليه ودُفن في الحوش الذي خلف المدرسة.



آخرة المماليك- الجزء الثالث

لما دخل جيش السلطان سليم مصر نادي طومانباي في عسكره أن كل من جاء برأس رومي له مايريد من كل شيئ فخطف المماليك كثيرا من جنود بن عثمان وقدموا رؤوسهم للسلطان فصار يجزل عطاياهم ولكن للخيانة رأي آخر..أرسل الأمير جانبردي الغزالي الي السلطان سليم يخبره بتفاصيل خطة المماليك  وأنهم اخرجوا مدافعهم الكبيرة و جعلوها في الريدانية-منطقة العباسية حاليا- و أنه نصحهم بدفنها في الرمال حتي لا يعلم أحد من الجواسيس مكانها ونصح السلطان سليم أن يلتف بجنوده و يأتي من ناحية الجبل من خلف المدافع ..وفي ليلة المعركة الفاصلة معركة الريدانية اجتمع طومانباي مع إثنين من أشجع أمراءه وهما الأمير علان والأمير كرتباي الوالي و كانوا قد تأكدوا من خيانة جانبردي الغزالي و لكن خشوا أن يقتلوه فيفتن العسكر و يتفرقوا و أتفق الثلاثة أن يقصدوا سنجق السلطان سليم فلا يرجعوا إلا أن يقتلوه او يقتلوا..وبدأت المعركة و انقض طومانباي ومعه الأميران علان وكرتباي علي جنود ابن عثمان فاخترقوا الصفوف في بسالة نادرة حتي وصلوا إلي صنجق-راية- السلطان فظن طومانباي أن الذي تحت الراية السلطان سليم فجذبه بيده ورفعه ثم رماه علي الأرض و انقض عليه الأمير كرتباي فقطع رأسه
و لكن للأسف كان القتيل هو الوزير سنان باشا (من الطرائف أن أسماء أهم ثلاثة شوارع في حي الزيتون هي سليم الأول وطومان باي وسنان باشا )..ثم عاد طومان باي و الأميرين يخترقوا الصفوف ليعودوا إلي جيشهم فوجدوا الجيش قد انهزم و هرب أغلب الجنود ثم أصيب الأمير علان في قصبه رجله بطلقة بندقية فخرج من المعركة ولم يبق مع طومانباي إلا الأمير كرتباي الوالي فاتجه ناحية طرا –طرة البلد حاليا- وتبعه بعض الأمراء والجنود تباعا حتي وصل عددهم إلي سبعة الاف فارس
اما السلطان السليم فدخل القاهرة ومكث في القلعة وقت قليل ونزل منها ثم فضل أن يكون مقر اقامته في جزيرة في النيل ليأمن علي نفسه..أما طومانباي و جنوده فبعد أن جمعوا شتات أنفسهم اتفقوا علي الرجوع إلي مصر -القاهرة- وأن يحاربوا عدوهم حتي يفنوا عن آخرهم..فرجع ونزل في الشيخونية وهي المنطقة من مسجد شيخون بشارع الصليبة بالسيدة زينب حاليا وحتي القلعة و انتشرت جنوده في الحارات فقتلوا من جنود ابن عثمان نحو عشرة الاف في ليلة واحدة وفي صباح اليوم التالي هجمت جنود ابن عثمان علي الشيخونية وكانت حرب في الشوارع و الحواري فانكسروا و كرروا الهجوم ثلاثة أيام فكانت الكسرة عليهم في كل مرة و قتل منهم نحو خمسة عشر الفا في ثلاثة أيام.

و يقول ابن إياس أن السلطان سليم لما علم بأن طومانباي ينزل في جامع شيخون أرسل عساكره فاحرقت الجامع " فتح عثماني بقي "..فلما ازدادت خسائر ابن عثمان قرر أن يركب بنفسه و يواجه طومانباي في الرميلة ونوي أن وقعت الكسرة عليه يرجع إالي بلاده وطبعا لأن المعركة كانت في ميدان مفتوح وكان للعثمانين ميزة استخدام البنادق عن بعد فقد هزموا الجراكسة مرة اخري و هرب أغلب المماليك إلا طومانباي وقف يقاتل كالأسد وقتل عددا لا يحصي من جنود ابن عثمان ثم اخذ في الإنسحاب تدريجيا لما رأي هزيمة جنوده و كان قد اتفق مع عسكره أنه في حالة الهزيمة يكون موعدهم الجيزة ..بعد موقعة الريدانيه عاد السلطان سليم إلي جزيرته منتصرا و طلب مشورة خاير بك فقال له نادي بالأمان علي الجراكسة لمدة ثلاثة أيام – بمعني أن من سلم نفسه من الجراكسة خلال الأيام الثلاثة فهو آمن – و من وجد عنده جركسي بعد الأيام الثلاثة شُنق علي باب داره ومن أبلغ عن جركسي فعليه الأمان ..وكان الأمير الشجاع كرتباي الوالي قد اصيب بطلقة بندقية في فخذه فاختبأ عند رجل من اصحابه فلما سمع هذا الرجل النداء خاف علي نفسه وقال لنفسه الأفضل أن أذهب الي السلطان سليم وأخبره أن الأمير كرتباي عندي وآخذ له الأمان فأنجو أنا وينجو الامير وفعلا ذهب الي السلطان ففرح جدا و أرسل معه منديل الأمان و المصحف وكتب كتابا إلي الأمير كرتباي يؤمنه فيه علي نفسه إن جاء إليه فرجع الرجل إلي الأمير كرتباي واقنعه بتسليم نفسه وفعلا ذهب الأمير إلي السلطان ووقف أمامه وقفة الشجعان و تكلم بكل شجاعة وفصاحة و قال للسطان انه لم ينتصر إلا بالبندق فليس في جنوده من يقدر علي مواجهة ابطال المماليك في الميدان وقال خطبة عصماء في مواجهة السلطان ورغم غضب السلطان منه إلا أنه رأي أن يستفيد من شجاعة هذا الأمير و يضمه إلي جيشه و لكن خاير بك خوفه أن هذا الأمير يقتله أو يفسد عليه عسكره وأشار عليه بقتله فقتله ابن عثمان رغم انه كان قد سبق و اعطاه الأمان..وظل الأمير كرتباي علي شجاعته وصلابته حتي سب السلطان سليم سبابا فاحشا و السياف واقفا فوق رأسه يستعد لقطعها.
أما طومانباي فبعد أن اجتمع مع من تبقي من عسكره في بر الجيزة و تشاوروا في امرهم اتجه طومانباي إلي الصعيد وقصد هوارة وطلب منهم النصرة و ان يرفع عنهم الخراج ثلاث سنوات فأبوا فعاد ادراجه و تبعه سبعة الاف من العربان محبة فيه
و قرب اطفيح رأي طومانباي سفن حربية في النيل فعلم أن السلطان سليم أرسلها لمواجهته وكانت قوات السلطان سليم بقيادة الأمير جانم السيفي أحد الأمراء الخونة في جيش طومانباي الذين انضموا إلي بن عثمان جاء اليه بجيش كبير به اكثر من عشرين الف جندي فلما اصطف الفريقان للحرب ارتعبت العربان من النيران فقالوا نحن نرجع إلي الخلف وننظر من كانت الكسرة عليه نهبناه وبقي مع طومانباي عدد قليل من جنوده ورغم ذلك قاتلوا قتال الأبطال و لم يستطع جيش جانم السيفي هزيمته وعاد الي سفنه مرة اخري. وفي الليل اتفق طومانباي مع أمراءه علي أن يقسموا الجيش إلي فرقتين واحدة تواجه جيش العثمانيين و الثانية تلتف من حوله و تأخذ السفن ثم تنقض علي العثمانيين من الخلف و بالفعل نجحت الخطة في اليوم التالي و انتصر جيش طومانباي انتصارا ساحقا وتسبب ذلك في غضب السلطان سليم غضبا شديدا علي خاير بك كونه هو من حرض السلطان علي دخول مصر..ثم قرر السلطان سليم أن يرسل إلي طومانباي يطلب منه أن يدخل تحت طاعته و أن تكون السكة و الخطبه باسمه علي يحكم طومانباي مدي الحياة..فلما وصلت الرسل إلي طومانباي فقراأ الرسالة و تشاور مع أمراءه فقرروا رفض ما فيها و الاستمرار في قتال ابن عثمان بل وقتلوا الرسول.

تحرك ابن عثمان بقواته وأمر العسكر بالعبور إلي البر الغربي علي أفواج في كل فوج ما يقرب من الفين جندي فاستغل طومانباي الموقف وهجم علي الفوج الأول فأباده فأمر السلطان سليم بألا يعبر أحد الي الضفة الاخري و أمر بنصب المدافع و الضرب بها علي الجهة الأخري وأثناء المعركة حدثت مفاجأة.. جاء من خلف جيش طومانباي عدد كبير جدا من الفرسان فلما اقتربوا إذا بهم عرب غزالة فبادروا السلطان طومانباي بالسب و الشتم و طلبوا منه أن يكف عن قتال السلطان سليم وأن يخرج من أرض مصر " فإنكم قد قتلتم منا خلقا كثيرا في أيام ولايتكم وما منا أحد إلا وله أحد قد قتلتموه " فلم يجد طومانباي بدا من الإنسحاب إلي ناحية الهرم وعند الأهرامات أنشد طومانباي قصيدة طويلة من الشعر تحكي ماحدث لدولة المماليك ثم اتجه إلي دهشور ونادي أن الخراج بطال ثلاث سنوات و أنه من أرد القتال و نصرة السلطان فليسرع الينا وله ما لنا وعليه ماعلينا فاجتمع حول السلطان عدد كبير من الناس و استقر الرأي علي تجهيز جيش بقيادة الأمير شاربك الأعور _ الحقيقة هو كان أحول وليس أعور ولكن المصريون يحبون المبالغة _وهو من الأبطال الصناديد و الفرسان القلائل .. وتوجه شاربك لمحاربة ابن عثمان علي أن ينتظر طومانباي في دهشور..أما السلطان سليم فندم أشد الندم علي دخوله مصر وقرر مرة أخري إرسال رسول إلي طومانباي لعقد صلح بينهما وكان الرسول هو الأمير خوشقدم ..فقابل خوشقدم جيش طومانباي بقيادة الأمير شاربك و عرض عليه الصلح ولكن حدثت مشادة بينه وبين أمراء المماليك نظرا لوجود منافسة و مشاحنة بينهم سابقا وكانت النتيجة أن اقتتل خوشقدم مع المماليك و اصيب وقُتل أكثر من كان معه فعاد إلي السلطان السلم اللذي اغتاظ غيظا شديدا و استدعي خاير بك و أخبره أنه يريد العوده إلي بلاده وطبعا خاين بك يعلم تماما أنه في حال عودة السلطان سليم إلي بلاده فإن طومانباي و المماليك سيتخلصون منه بسبب خيانته و لذلك عمل مرة أخري علي اقناع ابن عثمان بالبقاء في مصر
جهز ابن عثمان جيشا فيه أربعين الف فارس ومثلهم مشاة من خلاصة شجعان جنوده و عبر النهر إلي بر الجيزة لمواجهة طومانباي.


آخرة المماليك -الجزء الثاني

نتكلم شوية عن تكوين جيش الغوري الجيش كان قوامه المماليك الجلبان و المماليك القرانصة..القرانصة هم مماليك السلاطين السابقين و كانوا بحكم الأقدمية يعتبروا من أهل الخبرة في الحرب و القتال والشؤون العامة ولكن السلطان كان دائم التوجس منهم ولا يضمن ولائهم ويعتبرهم دائما مصدر خطر يهدده ولذلك كان لدي السلطان طائفة اخري من المماليك يشتريهم او يحصل عليهم بطريقة أو بأخري يقربهم منه ويتم تدريبهم في معسكرات خاصة و يغدق عليهم العطايا و الرواتب ليضمن ولائهم و هم المماليك الجلبان و لذلك كان هناك دائما احقاد و ضغائن بين القرانصة و الجلبان وكان من ضمن الجيش ايضا "الخاصكية" وهم بمثابة الحرس الخاص للسلطان..و هم مماليك أشرف السلطان علي تدريبهم بنفسه وعددهم غير كبير مقارنة بعدد الجلبان و قربهم الشديد من السلطان و اعتيادهم علي البذخ والرفاهية جعل منهم مجرد حاشية للسلطان أكثر من كونهم مقاتيلن وكان هناك أيضا أولاد الناس أي اولاد المماليك وهؤلاء جري الاستعانة بهم في الجيوش في نهاية العصر المملوكي وكان يتم استدعائهم وقت الحرب فقط وكان من ضمن الجيش أيضا أجناد الحلقة وهم أيضا يتم استدعائهم عند الحروب و أغلبهم من العربان و بعض أصحاب الحرف وهم مجموعة غير متجانسة و غير محترفين ولزوم البركة أخذ الغوري معه الأربعة أئمة للمذاهب الأربعة و خليفة السيد البدوي و خليفة إبراهيم الدسوقي و خليفة أحمد الرفاعي و خليفة عبد القادر الجيلاني مع عدد من المؤذنين و الوعاظ..يقول ابن زنبل عن جيش الغوري " وكان له نظام عظيم فانخرم ذلك النظام وانتكست تلك الاعلام
معركة مرج دابق :
أرض المعركة هي مرج دابق في حلب..أول من بدأ القتال من الجراكسة كان أصلان بن بداق نائب حمص ثم تبعه الأمير سيباي ثم الأمير سودون العجمي ثم توالي هجوم أمراء المماليك..يقول ابن زنبل :ولم يقاتل في هذا اليوم أكثر من الفي فارس أما جلبان الغوري فلم يتحركوا من مواضعهم..وعلي ماقيل فإن الغوري أمر القرانصة ببدأ القتال لكونهم أكثر خبرة من الجلبان و لكن كان قصده أن ينقطع القرانصة ليكتفي شرهم ويصفو له الوقت فشعر القرانصة بأن في الأمر خدعة فقالوا له نحن نقاتل بأنفسنا مع النار وأنت واقف تنظر الينا كالعين الشامته ما تأمر أحدا من مماليكك يخرج للميدان..ويقول ابن زنبل أن الألفين فارس من المماليك الذين بدأوا الهجوم قد أبلوا بلاءا حسنا رغم أنهم يقاتلون جيشا من 150 الف مقاتل و اشاعوا الرعب في صفوف عسكر ابن عثمان اللذي لم يجد بد من التقدم من الصفوف الخلفية ليبقي وسط جنوده يصرخ عليهم ويحثهم علي القتال مما أثار حماس الجنود فتقدم جيشه حتي اقترب من مركز قيادة الغوري وهنا ظهرت الخيانة..انسحب الأمير خاير بك و الأمير قنبردي الغزالي و نادوا بأعلي صوتهم الفرار الفرار فإن السلطان سليم أحاط بكم وقتل الغوري و الكسرة علينا وطبعا تشتت العسكر و فروا هاربين ووقف الغوري وسط عدد قليل من جلبانه فتقدم إليه الأمير سودون قائلا اين خاصتك ؟ أهكذا عملت بنا ولازلت قائما في حظ نفسك حتي اهلكت نفسك و اهلكتنا معك ..القيامة تجمع بيننا و بينك و سنقف بين يدي مولانا يحكم بيننا بالعدل ..ورغم كل شيء صمد عدد قليل من صناديد أمراء المماليك في المعركة مثل الأمير سودون والأمير سيباي و الأمير أقباي و الأمير علان والأمير أصلان بن بداق مع جنودهم ونجحوا في وقف تقدم جيش ابن عثمان لفترة طويلة و لكن في النهاية الكثرة تغلب الشجاعة وبقي الغوري وحده ومن شدة ما حصل له فإنه انكسر قهرا ووقع علي الأرض مغشيا عليه فجاء اثنان من الأمراء هما الأمير علان و الأمير أقباي و تناقشوا سريعا في أمر السلطان وكان رأيهم أنهم لو تركوه لجاء العدو يأخذ رأسه ويطوف بها جميع بلاد الروم..طيب يعملوا إيه في الورطة دي..؟؟ قالك نقطع إحنا راسه و نرميها في أي جب..وجثة من غير رأس لن يعرفها أحد
و كانت نهاية الغوري بعد حكم دام خمسة عشر سنة و تسعة اشهر و خمسة و عشرين يوما

وطبعا أحاط جيش ابن عثمان بأمراء المماليك و قتلوا أغلبهم وفر منهم من فر لكن كان فيهم بطل اسمه الأمير قنصوه بن السلطان جركس ..هذا البطل حوصر من جنود ابن عثمان ولكنه ظل يضرب فيهم بالسيف حتي خرق الجيش و نجح في الخروج من الناحية الأخري منه ولكن للأسف اثناء هروبه و عبوره أحد الانهار التفت بعض النباتات علي قوائم الفرس فغرق الفرس فهجم جنود ابن عثمان عليه فتلوه. وتم نهب أوطاق الغوري "خيمته ومقر إقامته" و كان فيها شيئا يفوق الوصف من الذهب و الفضىة والقناطير المقنطرة والتحف التي جمعها الملوك السالفة ذهبت كلها في في يوم واحد ويقال أن الغوري اخذ معه مائة قنطار من الدنانير الذهب و مائتي قنطار فضة لنفقة العسكر. ويقول ابن زنبل أن سليم الأول أمر بعد القتلي في اليوم التالي للمعركة فوجدوا الذي قُتل من الجراكسة الف نفس و أكثرهم من المدافع و البنادق _ ابن زنبل يقصد انهم لم يُقتلوا في قتال مباشر بالسيف و هذه شهادة في حق أمراء المماليك المقتولين _ و الذي قُتل من الروم "كان يطلق علي العثمانبن لفظ الروم " كان أربعة الاف نفس وأثناء حصر القتلي وجد رجل عليه ملابس فاخرة و علي وجهه وقار و هيبة فجيئ ببعض الجراكسة ليتعرفوا عليه فوجدوا أنه الأمير سودون العجمي فأمر السلطان سليم بتغسيله و صلي عليه و أمر بدفنه_ يبدو أن السلطان كان قد اعجب بشجاعته في المعركة_
ويقول ابن زنبل عن الجراكسة أنه لما وقعت عليهم الكرة نهب بعضهم بعضا وصار كل إنسان منهم يأخذ ما قدر عليه و كل من كان له عدو وقدر عليه قتله ولكل شئ آفة من جنسه..وهرب أغلب امراء الجراكسة إلي حلب وكانوا قد تركوا أموالهم عند اهلها فمنعهم اهل حلب من دخول المدينة لأنهم سبق واساؤوا معاملتهم اثناء إقامة السلطان في المدينة..أما خاير بك فدخل حلب وقابل محمد ابن السلطان الغوري و كان أبوه قد أبقاه علي خزانته و أمواله في حلب فأقنعه خاير بك بالخروج مع معسكره إلي مصر ..وكانت مكيدة من خاير بك حتي يأخذ السلطان سليم حلب من غير حرب...أما ابن الغوري فقد خرج عليه العربان وهو في الطريق فنهبوه ومن معه ودخل دمشق وهو في اسوأ حال وفي دمشق اختلف أمراء المماليك حول سلطنة ابن الغوري لأنه كان صغيرا ليس فيه كفاءة وقدرة علي السلطنة فقرر امراء المماليك أن يرجعوا إالي مصر ليختاروا سلطانا لهم هناك
ويقول ابن زنبل أن السلطان سليم لم يكن في نيته دخول مصر إلا أن الأميرين الخائنين خاير بك وقنبردي الغزالي هما من حرضاه علي ذلك..
في اليوم التالي لدخولهم القاهرة اجتمع أمراء المماليك في قلعة الجبل و بايعوا طومانباي سلطانا عليهم..يذكر ابن إياس أن الغوري أيام سلطنة الأشرف قايتباي اشتري طومانباي وكانت بينهما صلة قرابة ثم قدمه هدية الي قايتباي وفي عصر الناصر محمد ابن قايتباي اصبح خاصكيا له ثم اعتقه فلما تسلطن قريبه قانصوة الغوري أنعم عليه بأمرية عشرة ثم تدرج في المناصب حتي جعله الغوري نائبا له في ادارة شؤون البلاد عندما خرج لمواجهة ابن عثمان وكان طومان باي غليظ الجثة كبير البطن متوسط الطول كبير اللحية و الوجه وكان خبيرا بالطعن والنزال كان بطلا لا يدانيه أحد من أبطال الجراكسة وكان دينا صالحا زاهدا وكان ذا شهامه غير متجبر زائد الأدب و السكون و الخشوع ملازما لزيارة المشايخ و كان محبوبا من الناس لحسن سياسته وعدله

أول مشكلة واجهت طومانباي كانت النقص الشديد في الأموال لذلك فكر في القبض علي محمد بن الغوري و أخذ ما معه من أموال و لكن مماليك والده اعترضوا بشدة و انتهي الأمر بالإتفاق علي أن يأخذ منه طومانباي ستين الف دينار فقط.
أما السلطان سليم فأول ما دخل حلب أمر بالقبض علي المشايخ و الصوفية اللذين كانوا مع الغوري وأمر برمي رقابهم جميعا و كانوا يزيدون علي الف رجل ثم أرسل ابن عثمان رسالة إلي طومانباي يطلب منه أن تكون السكة-العملة- و الخطبة بإسمه وهو إجراء يعني تبعية مصر له وأن يكون طومانباي نائبا عنه في مصر فلما وصلت الرسالة إلي طومانباي وافق علي مافيه لحقن الدماء ولكن للأقدار رأي آخر...اثناء ذلك وصل الأمير علان إلي الديوان فرأي رسل السلطان سليم واقفين تحت الديون و الناس حولهم و قد انتشر خبر الرسالة وما فيها فلم يتمالك الأميرعلان نفسه فجذب سيفه وضرب أعناق الرسل وكانوا ثلاثة أنفار
ودخل علي السلطان غاضبا رافضا ما جاء في الرسالة فقال له طومانباي انه خشي الحرب لأن العسكر كلهم مختلفون و ليس فيهم أحد مع أحد فما رأيك فقال الأمير علان رأيي أن نقاتل عن بلادنا وعن حريمنا و ارزاقنا او نقتل عن آخرنا فقال السلطان ولكم صبر علي القتال ؟ فقال ما معناه "برقبتي يا ريس" فما أشبه الليلة بالبارحة.
فلما وصلت أنباء قتل الرسل إلي السلطان سليم قرر التحرك إلي مصر ولكن وزيره يونس باشا اقترح عليه الإكتفاء ببلاد الشام حتي غزة علي حدود مصر ولا يدخل مصر فهو يخشي من هجمات العربان فغضب عليه سليم و أسرها في نفسه ..من ناحية أخري عقد طومانباي مجلس الحرب و استقر المماليك علي اختيار جانبردي الغزالي قائدا للجيش" وكان ذلك أول عكسهم لأنه كان ملاحيا عليهم في الباطن ".
تحرك الجيشان و تقابلا عند خان يونس بأرض فلسطين وكانت الكسرة علي الجراكسة بسبب البندق " البنادق" فيقول ابن زنبل " وماضرهم إلا البندق فإنه يأخذ الرجل علي حين غفلة لا يعرف من أين جاءه فقاتل الله أول من صنعها وقاتل من يرمي بها علي من يشهد لله بالوحدانية ولرسوله صلي الله عليه وسلم بالرسالة".
وقبل ان يتحرك السلطان سليم بجيشه إلي داخل مصر قرر القيام بحيلة لتفريق شمل المماليك..جاء برجل يجيد تقليد الخطوط وطلب منه كتابة رسائل بخطوط بعض أمراء المماليك يقول فيها أنهم مع ابن عثمان و أنهم يحرضونه علي دخول مصر ثم طلب من خاير بك أن يرميها بالقرب من خيمة طومانباي
وطبعا تسببت هذه الرسائل في فتنة شديدة بين المماليك و كادوا أن يقتتلوا حتي قال طومانباي لعلها مكيدة من الأعادي..و طلب من امراءه ترك الخلاف و الاستعداد لملاقاة العدو



28 أكتوبر 2018

آخرة المماليك- الجزء الأول

بمناسبة مرور 500 عام علي الغزو االعثماني لمصر هانحكي شوية عن دخول بني عثمان مصر و نهاية حكم المماليك اللي استمر من سنة 1250 م الي سنة 1517 م تاريخ موقعة الريدانية
الغريب إن العصر العثماني بدأ بالقضاء علي المماليك و انتهي و أمراء المماليك هم المتحكمون في أمور الحكم فالوالي العثماني كان مجرد ديكور و لذلك استهل محمد علي حكمه بمذبحة المماليك للقضاء علي نفوذهم ومن بعده ايضا ابنه ابراهيم صاحب مذبحة المماليك الثانية يعني السلطان سليم يهزم المماليك و يقضي علي دولتهم و بعد 300 سنة تقريبا يقوم محمد علي بمذبحة المماليك للقضاء علي نفوذهم.
فكرة المملوك العبد غير المعروف له أصل وفصل و وفاجأة يبقي امير او سلطان ويتحكم في البلاد والعباد دي فكرة غريبة جدا ..إزاي بقي المماليك العبيد المجهولين النسب بيعتبروا انفسهم جنس ارقي من المصريين اصحاب البلاد الأصليين أصحاب التاريخ و الحسب و النسب ...ظاهرة غريبة فعلا !!! بس تفسيرها إن المماليك كانوا بيتدربوا علي السلاح و فنون القتال ليكونوا مقاتيلن محترفين و بالتالي احتكروا السلاح و القوة العسكرية و من ثم احتكروا الحكم فاحتقروا المصريين.
طيب في عجالة كدة  إيه حكاية المماليك...عصر المماليك بينقسم قسمين : مماليك بحرية و مماليك جراكسة أو برجية ...بدأ التوسع في شراء المماليك من نهاية العصر الأيوبي نظرا لتأجج الصراع بين ابناء البيت الايوبي حتي وصل الامر ببعضهم إلي التحالف مع الصليبيين ضد إخوته و تسليمهم بعض المدن التي سبق و أن حررها صلاح الدين مقابل أن يساعدوهم في الحرب ضد إخوتهم
المهم..أخر سلاطين بني أيوب في مصر كان السلطان الملك الصالح نجم الدين أيوب و اللي توسع في شراء المماليك الصغار وكان يتم جلبهم و خطفهم من آسيا الوسطي و أطراف أوروبا الشرقية وغالبا كان بيتم جلبهم صغار و يتم تدريبهم في مكان منعزل ليصبحوا مقاتلين محترفين و لأنهم ليس معروف لهم أصل و ليس لهم أي انتماءات قبيلة أو مذهبية او سيساسية فيكون ولائهم التام للسلطان فقط فهو ولي نعمتهم الذي لا يعرفون غيره. ليه طيب سموهم البحرية ..السلطان الصالح أيوب كان عايز يعزلهم عن المجتمع و يضمن لهم بيئة عسكرية منضبطة و صارمة فاختار لهم جزيرة في وسط النيل بني فيها قلعة لتكون معسكر لتدريب المماليك..والمصريين من قديم الزمان بيقولوا علي النيل "بحر النيل" ومن هنا جت تسمية المماليك البحرية
و بالمناسبة الجزيرة دي هي جزيرة الروضة في المنيل حاليا و علشان كدة محطة مترو الأنفاق القريبة من المنيل اسمها محطة الملك الصالح و كمان في شارع اسمه شارع المماليك و منطقة المماليك في جزيرة الروضة
طبعا كلنا عارفين قصة شجر الدر زوجة نجم الدين أيوب واللي تولت الحكم لفترة وجيزة بعد وفاته ووفاة ابنه توران شاه..شجر الدر تعتبر أول من حكم مصر من المماليك و تروي كتب التاريخ أنها ضربت دينارا خاص بها ودي سابقة في تاريخ المسلمين طبعا وكان مكتوب علي أحد أوجه الدينار إسم الإمام المستعصم بالله و هو الخليفة العباسي وقتها حيث كان يخضع له المسلمين خضوع شكلي فقط وعلي الوجه الآخر "المستعصمية الصالحية ملكة المسلمين والدة المنصور خليل امير المؤمنين" المستعصمية دي نسبة الي الخليفة المستعصم و الصالحية نسبة الي الصالح نجم الدين. ونلاحظ هنا انها تجنبت تماما ذكر اسمها بشكل مباشر واستخدمت ألقابها فقط و ركزت علي الألقاب اللتي تمنحها الشرعية.. كمان إشارتها الي أنها ام المنصور خليل اللي توفي قبل توليها الحكم ده بيشير الي انها ليست عبدة مملوكة بل انها "ام ولد" و جري العرف وقتها علي أن الجارية اللتي تنجب ولدا لسيدها تصبح حرة. الدينار ده من أندر العملات و المسكوكات الإسلامية لأنه ضرب منه كمية قليلة وتم تداوله لثلاثة أشهر فقط تقريبا.
عصر المماليك البحرية ده شهد عصر الذروة في العمارة الاسلامية في مصر و أعظم و أجمل و أكبر العمائر الإسلامية بنيت في العصر ده زي مجموعة قلاوون و جامع الناصر محمد ابنه ومدرسة السلطان حسن. استمر حكم المماليك البحرية من 1250 م و حتي 1381 م طيب مين المماليك الجراكسة او البرجية..؟؟ قبل وصولهم إلي الحكم بمائة عام تقريبا قرر السلطان قلاوون إنه يجيب مماليك من بلاد بعيده و يكون ولائهم له فقط و يقال أن قلاوون أصلا من أصل جركسي من بلاد القبقاج عند بحر قزوين و يقال أن تسمية البرجية جاءت لأنهم كانوا يسكنون أبراج القلعة و الحصون وفي قول اخر لأن أصولهم تعود الي قبيلة جركسية اسمها "برج".
عصر المماليك الجراكسة ده بقي كان عصر العك كله و اللي يصحي بدري يمسك الحكم ..وصل للحكم فيه أطفال و حكم فيه سلطان لمدة ليلة واحدة ..حكم بالليل و اتعزل الصبح و حاجة زي الفل بس ده ما يمنعش إن العصر ده شهد سلاطين اقوياء حكموا لفترات طويلة زي السلطان برقوق و ابنه فرج و طبعا الأشرف أبوالنصر قايتباي و قنصوه الغوري
نرجع بقي للغزو العثماني ..طبعا ابن إياس من الناس اللي عاصرت الفترة وكتب عنها في كتابه العظيم "بدائع الزهور في وقائع الزهور " لكني سأعتمد علي مصدر تاني وهو كتاب "واقعة السلطان الغوري مع سليم العثماني " لأحمد بن زنبل الرمال" وهو أفضل المصادر بالنسبة لي أولا لأن مؤلفه عاصر الأحداث بنفسه وكان ملاصقا لأمراءالمماليك وكان يقرأ لهم الرمل ولذلك سمي " الرمال " ثانيا الكتاب مختصر وبيركز علي الاحداث و الوقائع المهمة بشكل مباشر

المخطوط الأصلي اسمه " كتاب تاريخ وقعة الغوري هو والسلطان سليم وما جري له مع الجراكسة و الملك طومان باي من الحرب الشديد و الطعن المزيد بوجود خاير بك و الغزالي علي التمام و الكمال و الحمد لله علي كل حال "
المخطوط حققه عبد المنعم عامر ونشرته الهيئة العامة للكتاب مرتين ..مرة ضمن اصدارات أدب الحرب و مرة ضمن اصدارات الألف كتاب الثاني مع مقدمة قيمة جدا للدكتور عبد الرحمن الشيخ.

خرج الغوري لملاقاة بن عثمان ووصل إلي غزه و أول ما وصل الناس خرجت تشتكي إليه من نائبه في غزة ..الغوري عمل فيها غضبان و أمر بعزل الوالي وسجنه...ويومين وخرج الوالي ورجع لمنصبه ...أصله كان ابن عم السلطان الغوري قعد في غزة تلات أيام وصله خلالها رسالة من نائبه علي بلاد الشام الأمير سيباي ينصحه فيها بالبقاء في مصر و إرسال المماليك الي قتال ابن عثمان ويحذره من خيانة الأمير خاير بك الغوري ما سمعش الكلام ..ليه علشان كان في واحد رمال بيقرأ الرمل قال للغوري إن نهايته هاتكون علي يد واحد أول حرف من إسمه سين فالغوري ظن انه الأمير سيباي والرمال المقصود هنا واللي قال كدة للغوري هو احمد بن زنبل مؤلف الكتاب و ده يورينا إن الراجل ده كان قريب جدا من الاحداث.
طيب ليه دماغ الغوري راحت ناحية سيباي مش ناحية سليم العثماني و ليه لم يهتم بأخبار خيانة خاير بك ..ابن زنبل بيقول انه كان معتقد إن إبن عثمان لن يجرؤ علي دخول مصر و لو دخل المماليك هايقطعوه و خاير بك ده راجل جبان أصلا...طيب راجل جبان وواخده معاك الحرب يا غوري..؟؟ أما سيباي فكان راجل شجاع لا يهاب الموت ذا عزم شديد و بأس مديد علشان كدة الغوري المغفل خاف منهز نيجي بقي لسبب المعركة..الموضوع تاريخيا غامض شوية مصادر كتير بتقول إن سليم الأول مكانش ناوي يدخل مصر خالص و كان مشغول بحربه مع الشاه اسماعيل الصفوي و مصادر تانية بتقول إن الغوري كان خارج للصلح بين
سليم و إسماعيل الصفوي .حتة كدة علي الهامش للناس اللي بتقول علي الغزو العثماني فتح..السلطان سليم حارب أبوه علشان يستولي علي العرش و بعد ما استولي علي العرش قتل اخوته.
ابن زنبل بيقول إن سبب العداوة بين سليم والغوري إن سليم كان له أخ اسمه قرقود هرب من بطش أخوه سليم إلي مصر لأنه كان عايز يقتله فاستضافه الغوري ولما أرسل سليم في طلبه رفض الغوري وبيحكي قصة تانية تسببت في شدة العداوة بين سليم و الغوري و هي أن السلطان سليم مر بجيشه بمدينة في الشام كان نائب الغوري عليها اسمه علاء الدولة ..الراجل ده رفض يمد جيش الغوري بالأكل وأمر الناس الا يبيعوا شيئا للجيش و قام بتحصين المدن فغضب ابن عثمان و أراد محاربة علاء الدولة ولكن المستشارين نصحوه بالشكوي إالي الغوري فالغوري أحسن استقبل سفراء سليم وقال لهم أن علاء الدولة عاصي أمري و إن قدرتم عليه اقتلوه ثم أرسل سرا إلي علاء الدولة يشكره علي ما فعل و يحرضه علي قتال بني عثمان. ما تعرفش ازاي السلطان سليم شعر إن الغوري راجل مش تمام و إنه بيلعب عليه " فتحملت نفسه منه غاية التحمل". كمل السلطان سليم طريقه لمحاربة الشاه اسماعيل الصفوي و بعد انتصاره عليه وفي طريق عودته قرر محاربه علاء الدولة.
من سنين طويلة كان يحكم المنطقة دي رجل اسمه شهوار أخو علاء الدين ويبدو إن علاء الدولة طمع في الحكم ففضل يعمل مؤامرات علي أخوه لحد ما تسبب في تسليمه الي السلطان قايتباي في مصر فشنقه علي باب زويله وكان لشهوار ابن هرب إلي السلطان سليم وكان معه في جيشه اللي حارب الشاه اسماعيل الصفوي فلما وقف جيش سليم أمام جيش علاء الدولة خرج ابن شهوار إلي الميدان وقال انا ابن شهوار ..أين من ربي في أنعام ابي.؟ اين المحبون لي ولوالدي ؟ فليأتوا تحت سنجق " راية" من حماني من عدوي ..وهوب وقع الانقسام في جيش علاء الدولة و هزم شر هزيمة و تم القبض علي علاء الدولة وأولاده وقطعت رؤوسهم و أرسلها سليم إلي الغوري " فلما رآهم أحس قلبه بزوال ملكه لما يعلم من من اختلاف عسكره عليه كما وقع لعلاء الدولة فإن الملك ليس هو ملكا إلا بالعسكر فإذا انحرف عليه عسكره ضاع ملكه. بعد هزيمة علاء الدولة طمع ابن عثمان في أخذ مصر فاستشار اثنين من كبار وزراءه في الأمر فقالوا له إنهم اخر مرة واجهوا المماليك هزموا شر هزيمة وواحد من الوزيرين اسمه إبن هرسك وقع أسيرا في يد السلطان قايتباي فعفا عنه ولكن إبن عثمان لم يسمع للوزيرين و أمر بعزلهما وتحرك بجيشه صوب مصر.


كان جيش الغوري قد وصل الي حلب "ودخل جنوده المدينة و أخرجوا الناس من بيوتهم وسبوا حريمهم وأولادهم و آذوهم الأذي البليغ وكان ذلك سببا لقيام أهل حلب مع السلطان سليم علي الجراكسة لشدة ما حل بهم من الضرر منهم.
الجزء اللي جاي ده غريب جدا ..في حلب وصل للغوري رسول من ابن عثمان – قاضي اسمه زبرك زاده- فأحسن الغوري استقباله ولما سأله عن السلطان سليم قال الرسول " هذا ولدك وتحت نظرك فقال له الغوري لولا أنه مثل ولدي ما جئت من مصر الي هنا بأهل العلم جميعا حتي نصلح بينه وبين اسماعيل شاه..ثم أجزل العطاء له و صرفه تقريبا كل واحد منهم كان بينيم التاني علشان يغفله. وبعدين الغوري حب يرد الزيارة للسلطان سليم وفكر يرسل له رسول يجس النبض ويشوف إيه النوايا فلما شاور الغوري أكابر دولته في ذلك اقترحوا عليه أن يرسل رجلين من اهل العلم و الدين ليتكلما بالمعروف رجاءا لحقن دماء المسلمين ولكن الغوري لم يفعل وأمر الأمير "مغلباي" ومعه عشرة من خيار العسكر بالتوجه إلي ابن عثمان وهم ملبسين بالملابس الفاخرة كل من رآهم يتعجب في خلقهم وحسن خيلهم وهندامهم وهم كالعرائس..وغالبا كانوا لابسين لبس الحرب لأنهم لما دخلوا علي ابن عثمان قال لهم بغيظ : يا مغلباي أستاذك ما كان عنده رجل من أهل العلم يرسله لنا..؟؟ و إنما أرسلك بهؤلاء العشرة يرعب بهم قلوب عسكري ويخوفهم برؤية أجناده ولكن انا أكيده بمكيده أعظم من مكيدته ثم أمر برمي رقبة مغلباي و جماعته وبعد وساطة كبار الدولة قتل الجنود فقط و أمر بسجن مغلباي يومين ثم احضره و حلق ذقنه و البسه طرطورا و ركبه علي حمار اعرج معقور وقال له قل لأستاذك يجتهد جهده وها أنا حضرت اليه كالبرق الخاطف و الرعد القاصف. فلما تأكد الغوري أن الحرب قائمة لا محالة أرسل الأمير "كرتباي الوالي" ليستطلع أخبار جيش ابن عثمان فبعد فترة وجيزة رجع كرتباي وأخبر السلطان أن مدينتي قيصيرية و عنتاب_مدن تابعة لسلطة الغوري_ قد عصوا علينا و أرادوا قتالنا فارتج عسكر مصر لذلك ووقع فيهم الخلل فعند ذلك انتبه الغوري و جمع الأمراء و تحالفوا علي أن لا أحد منهم يخون صاحبه ووسط إجتماع الأمراء قام الامير "سيباي" نائب الشام وقبض علي الأمير خاير بك نائب حلب و جره من طوقه بين يدي السلطان الغوري وقال له يا مولانا إذا أردت أن ينصرك الله علي عدوك فاقتل هذا الخائن و كان خاير بك في يده كالشاة بين يدي السبع وهو يجره عندئذ تدخل خائن آخر وهو الامير قنبردي الغزالي _و أحيانا يذكر بإسم جان بردي الغزالي_ و قال للسلطان لاتفتن العسكر و تبدأ في قتال بعضهم بعضا فتضعف شوكتكم فصدقه الغوري وأمر أن يتحالفوا بينهم و الا يخون منهم أحد..كان راجل مغفل الغوري ده.

28 يوليو 2015

من تاريخ السجون الأيوبية والمملوكية فى مصر ......د. عبد العزيز جمال الدين



(1)

سجون القاهرة

ذكرت لنا المصادر التاريخية سجوناً التى كانت موجودة فى القاهرة، وهى:

خزانة البنود:  وكان مكانها فى زقاق يسمى خط خزانة البنود، على يمين من سلك رحبة باب العيد يريد درب ملوخيا  وكانت هذه الخزانة فى زمن الدولة الفاطمية إحدى خزائن القصر، يصنع ويخزن فيها السلاح، بناها الخليفة الفاطمى الظاهر لإعزاز دين الله على بن الحاكم لأمر الله، ولكنها احترقت فى سنة 461 هـ= 1068 م، فاتخذت سجناً يسجن فيه الأمراء والأعيان، وبقيت الخزانة تستخدم سجناً حتى  حولها الملك الناصر محمد بن قلاون منزلاً للأسرى من الفرنج يسكنون فيها إلى جوار عامة الشعب المصرى، وأُبطل السجن بها، فتحولت المنطقة إلى مكاناً للفواحش من صناعة وبيع الخمور، والزنى، واللواط، وحماية الهاربين من المجرمين، وعندما كان السلطان والأمراء تنتابهم حالة من ضعف سلطاتهم ونفوذهم وتتفشى الأمراض والطواعين يقومون بهدم هذه المنطقة كما فعل الأمير الحاج آل ملك الجوكندار  نائب السلطنة بديار مصر بهدمها فى سنة 744 هـ= 1343 م. وقد ابتدئ بالحبس بها سنة 438 هـ= 1046 م. فى زمن الدولة الفاطمية عندما كانت خزانة للسلاح والأعلام، واستمرت سجناً فى العهد الأيوبى، ثم المملوكى، وقد اعتقل فيها سنقرالأقرع  سنة 663 هـ= 1264 م، واعتقل فيها الملك الأشرف بن صاحب ميافارقين شهاب الدين غازى وسمر مع مجموعة من المحبوسين فى الخزانة لأنهم اتفقوا على خطة للهروب من السجن فى سنة 665 هـ= 1266 م ، كما  سمر الأمير أقوش القفجاقى الذى ادعى النبوة. وكان بصحبتهم فى خزانة البنود، وتوفى فيها الأمير أبو الفتح فتح الدين بن الملك الفائزسابق الدين بن الملك العادل الأيوبى سنة 671 هـ= 1273 م، وفى سنة 692 هـ   1293 م. وبعد مقتل السلطان الأشرف خليل بن قلاون قُبِض على مجموعة من الأمراء واعتقلوا فيها أياماً ثم قطعت أيديهم وأرجلهم وصلبوا على الجمال وطِيف بهم وأيديهم معلقة فى أعناقهم.


دار المظفر: استخدمها السلطان صلاح الدين الأيوبى لحبس الأمراء الفاطميين بعد وفاة العاضد آخر ملوك الفاطميين، وتحويل الخطبة فى القاهرة للخليفة العباسي، فقد قبض على داود بن العاضد وإخوانه وأقاربه فى سنة 569 هـ= 1174 م، ونقلهم إلى دار المظفر من حارة برجوان، وأغلقت قصورهم، وفُرقت أملاكهم على خواص صلاح الدين وبيع بعضها، وأعطى القصر الكبير لأمرائه فسكنوا فيه، ثم نُقِلَ الأمراء المعتقلون إلى قلعة الجبل، وهم 63 نفراً، فى سنة 608 هـ= 1211 م، وقد مات منهم حتى سنة 624 هـ= 1227 م ثلاثة وعشرون معتقلا، وكان الذي يتولَّى وضع القيود فى أرجلهم والى القاهرة الأمير فخر الدين الطبنا أبو شعرة بن الدويك، وربما استخدمت هذه الدار لسجن آخرين، ومنهم الشيخ ابن الجباس الذى سجن بالقصر مع زميل له على دين.

قاعة سهم الدين: وكان مكانها فى شارع يسمى درب الأسوانى بالقاهرة، واعتقل فيها سنة 622هـ=1225 م. تاج الدين وعز الدين ابنى صفى الدين عبد الله بن على بن شكر وزير الملك الكامل الأيوبى، بناها أمير الجيوش بدر الجمالى، وكانت داراً عظيمة، فلما مات، سكنها أبو محمد جعفر المظفر ابن أميرالجيوش فعرف بدار المظفر، ولما مات المظفر اتخذت داره دار ضيافة إلى أن انقرضت الدولة، فأنزل بها صلاح الدين أولاد العاضد.

خزانة شمائل: كانت بجوار باب زويلة على يسار من دخل منه بجوار السور، وعرفت أيضاً باسم سجن متولى القاهرة” ، وسجن أرباب الجرائم،  وتنسب إلى الأمير علم الدين شمائل الذى كان والى القاهرة فى زمن الملك الكامل بن العادل الأيوبى، الذى أنشأها فى حدود سنة615 هـ= 1218 م، وبقيت سجناً حتى هدمها السلطان المؤيد شيخ سنة 818 هـ= 1416 م، وبنى مكانها مدرسة ومسجداً أسماه مسجد المؤيد، وذلك بسبب أنه سجن فيها فى دولة الناصر1412 م، وقاسى بها شدائد عظيمة من البق، فنذر فى نفسه إن خلص من هذه الشدة، وصار سلطاناً أن يهدم هذا السجن ويبنى مكانه جامعاً، فلما تولَّى السلطنة هدمه وبنى هذا الجامع والمدرسة، وتم البناء فى سنة822 هـ= 1419 م. وكانت من أشنع السجون وأقبحها منظراً، يحبس فيها من وجب عليه القطع أو القتل من اللصوص وقُطَّاع الطرق والمماليك الذين غضب عليهم السلطان، ويظهر أنه كان يدفن فيها من قُتل أو مات فى السجن، فعندما هدمت ونقض أساسها وجد تحتها عدد كبير من جثث القتلى ورؤوسهم. وقد قام ولاة القاهرة أكثر من مرة فى العهد المملوكى بإرهاب الناس عند حدوث فتنة فى القاهرة عن طريق إخراج المساجين من خزانة شمائل وإعدامهم وإيهام الناس أنهم من الثوار حتى تسكن الفتنة، ففى سنة 779 هـ= 1377 م. حدثت فتنة فى القاهرة فأمر والى القاهرة حسين بن الكورانى بقتل جماعة لإرهاب العامة، فأخرج عدة من خزانة شمائل قد وجب عليهم القتل ونحرهم، ونادى عليهم “هذا جزاء من يكثر فضوله، ويتكلم فيما لا يعنيه” ثم و سطَهم تحت القلعة. وفى سنة 802 هـ= 1400 م. كَثُر النهب داخل القاهرة فعمد أحمد بن الزين والى القاهرة إلى جماعة من المحبوسين فى خزانة شمائل فقطع أيدى بعضهم، وضرب بعضهم بالمقارع، وأشهرهم، ونادى عليهم “هذا جزاء من ينهب بيوت الناس”. كما استخدم مساجينها رهائن لدى الفرنجة، وذلك عندما وصل رسل ملك قبرص إلى إسكندريه يطلبون تجديد الهدنة فى سنة 764 هـ= 1363 م، وطلبوا رهائن عندهم حتى ينزلوا من مراكبهم ويسلموا رسالتهم للسلطان، فلم تؤمن مكيدتهم، فأخرج من سجن شمائل مجموعة من المساجين مِمن وجب عليهم القتل، وغُسلوا بالحمام، وألبسوا ثياباً جميلة، وسفِّروا إلى إسكندرية، فاستقبلهم نائب إسكندريه وأشاع أنهم من الرؤساء وبعث بهم إلى الفرنجة، وأرسل خلفهم نساء وصبياناً يبكون كأنهم عيالهم، حتى تنطلى الحيلة على الفرنجة. وقد شهدت أحداث قتل وإعدام وكذلك وفاة سجناء داخل جدرانها ونذكر بعض الأمثلة:

ففى سنة 731 هـ= 1330 م: اعتقل فيها رجل يدعى يوسف الكيماوى بتهمة الاحتيال،وعوقب بالضرب، فمات فيها، ثم سمر وهو ميت وطِيف به القاهرة على جمل. وفى سنة 782 ه/ 1380 م: اعتقل فيها صلاح الدين بن عرام نائب إسكندريه، وأمرالسلطان برقوق بتسميره، فسلم لوالى القاهرة حسين بن الكورانى فضرب بالمقارع وعذب ثم قتل، ثم عادت الكرة على ابن الكورانى نفسه فى سنة 793 هـ= 1391 م. فقُتل فيها خنقاً فكان الجزاء من جنس العمل. وفى نفس السنة ضرب القاضى شهاب الدين أحمد بن عمر القرشى قاضى قضاة دمشق بخزانة شمائل حتى مات تحت العقوبة، وكذلك القاضى ابن الشهيد كاتب سر دمشق. وفى نفس السنة أخرج سائر المسجونين منها إلى الريدانية وعرضوا على السلطان برقوق فى حادثة عجيبة، فأمر بثلاثة منهم فأغرقوا فى النيل، و سمر منهم سبعة، ثم قتل من بقى منهم فى السجن. وفى سنة 799 هـ= 1397 م: سجن محمد الأستادار فيها حتى مات من التعذيب، وقيل قتل خنقاً.

حبس المعونة بالقاهرة: وكان موقعه بالقاهرة بجوار الصاغة القديمة، مقابل عقبة الصباغين، وسوق القشاشين أو “الخراطين”، وبجواره  دكة الحسبة، ودار العيار، ومكسر الحطب بجوار سوق القصارين والفحامين. والمعونة هى الشرطة، حيث تسمى فى بغداد وفى مصر الفاطمية باسم الشحنة أو المعونة، وكانت مكان هذا السجن مقراً لصاحب الشرطة. وابتدئ ببنائه سنة 517 هـ= 1122 بأمر الخليفة الفاطمى المأمون، ولم يزل هذا الموضع سجناً طوال مدة الدولة الفاطمية والأيوبية والمملوكية حتى زمن الملك المنصور قلاون الذى هدمه، وبنى مكانه قيسارية العنبر فى سنة 680 هـ=1281 م. وكان شنيع المنظر، يشم من يمر بجواره رائحة كريهة، وكان المنصور قلاون يمر بجواره فى طريقه من بيته إلى قلعة الجبل فى زمن دولة الظاهر بيبرس  658هـ=1277 م. فحسن له إن جعل الله له من الأمر شيئاً أن يبنى مكان هذا الحبس سوقا ، فلما تولَّى السلطنة هدم حبس المعونة وبنى سوقاً لبائعى العنبر. وقد كان فى زمن الدولة الفاطمية حبس آخر يسمى “المعونة”، ولكن موقعه كان فى مصر عتيقه إلى الجنوب من جامع عمرو بن العاص، وبدأ الحبس فيه فى سنة 381 هـ= 990 م. وكان يسجن فيه أرباب الجرائم من اللصوص وقُطَّاع الطرق، وكان حبساً ضيقاً شنيعاً يشم من قربه رائحة كريهة.  وبقى كذلك حتى عهد صلاح الدين الأيوبى الذي جعله مدرسة تعرف بالمدرسة الشريفية سنة 566 هـ= 1170 م.

حبس الصيار: وقد اتخذه ولاة مصر فى العهد الأيوبى بعد هدم سجن المعونة بمصر عتيقه سنة566 هـ= 1170 م، وسبب تسميته أنه كان بأول الزقاق الذى فيه الحبس حانوت لشخص يقال له منصور الطويل ويلقب بالصيار، لأنه كان يبيع الصير المعروف بالملوحة.

سجن المقشرة: كان يقع بين باب الفتوح والجامع الحاكمى، وكان يتكون من برج من أبراج سور القاهرة وبجواره مقشرة كان يقشر فيها القمح، فلما هدمت خزانة شمائل، أمر طوغان نائب الغيبة بأمر السلطان بتحويل البرج والمقشرة إلى سجن لأرباب الجرائم، وسمى بسجن المقشرة وذلك فى شهر ربيع الأول سنة 828 هـ= 1425 م، وهو من أشنع السجون وأضيقها، يقاسى فيه المسجونون من الغم والكرب ما لا يوصف. وكان من سوء سمعته يستخدم لحبس من أرادوا إهانته واحتقاره من الأمراء والأعيان فيوصم من يسجن فيه بلقب “مقشراوى”، فيحدثنا ابن تغرى بردى بحادثة حبس القاضى ولى الدين السفطى سنة 852 هـ= 1448 م. فى سجن المقشرة مع أرباب الجرائم لإهانته  “ومن لطيف ما وقع للسفطى، أنه لما حبس بسجن المقشرة، دخل إليه بعض الناس، ليسأله مسألة، وخاطبه الرجل المذكور بيا مولانا قاضى القضاة، فصاح السفطى بأعلى صوته: تقول لى قاضى القضاة! أما تقول: يا لص يا حرامى يامقشراوى. ويقول ابن تغرى بردى متهكماً على هذه الحادثة: “سألنى بعض الأعيان فيما بيني وبينه إذ ذاك: أسمعتم أن قاضي القضاة نُفِى إلى طرسوس، فقلت:ما نعلم إلا أنهم يحبسون بالمقشرة مع أرباب الجرائم، وعنيت السفطى بذلك، فضحك الحاضرون” واعتقل فيها عدد من القضاة والأمراء وذلك زيادة فى احتقارهم وتعذيبهم: ففى سنة848 هـ= 1444 م اعتُقل فيها أحد الأعيان من النواب الشافعية وهو المحب أبو البركات الهيتمى فضرب ضرباً مبرحاً وتسلمه الوالى وأعوانه وساروا به نحو سجن المقشرة وهو مكشوف الرأس.

وفى سنة 854 هـ= 1450 م. اعتقل فيها عبد قاسم الكاشف، وسعدان بن قاسم بسبب اعتقاد الناس فيه بالصلاح وتبركهم به، ومجموعة من مماليك الأمير تنم بن عبد الرازق، المؤيدى وعددهم عشرة، وقوام الدين حسين العجمى الحنفى بتهمة ضرب الزغل (تزييف النقود). ومحمود بن عبيد الله الأردبيلي أحد نواب الحنفية والشهاب أحمد بن العريف وجماعة آخرون بسبب قضية شهادة على وقفية بيت، وفى سنة 855 هـ= 1451 م. حبس فيها أمراء عربان الشرقية بيبرس بن بقر وابن شعبان. وفى سنة 856 هـ= 1452 م. حبس قاضى قضاة الشافعية بطرابلس تقى الدين بن عبد الرحمن بن حجى بن عز الدين بتهمة تزوير المحاضر، وعبد الرحمن بن الدبرى وهو من سكان القدس وقد اعتقل بتهمة إحداث فتنة فى القدس.

واستخدمت الخزانة أحياناً لحبس الأسرى، فقد حبس فيها الفرنج الذين أُسروا من جزيرة رودس سنة 856 هـ=/ 1452 م. كما سجلت حالات وفاة وإعدام وقتل تحت التعذيب داخل الخزانة ومِمن مات أو قتل فيها سنة 866 هـ= 1462 م. ابن الزفيك معمار السلطان بعد ضربه بالعصى والمقارع. وفى نفس السنة توفى حمزة بن غيث بن نصير الدين، بعدما أُخرج من المقشرة وسلِخ وطِيف به على جمل، وحمل إلى بلاد الريف وطِيف به القُرى والبلاد، وذلك بتهمة الفسق والتعدى على الأموال والممتلكات والمجاهرة بالمحرمات وضرب الفضة الزغل.

وفى سنة 880 هـ= 1475 م. توفى أحد أئمة القصر ويدعى إسماعيل بعد أن نُسب إليه التعرض لسرقة جوارى الناس وبيعهن فى قرى الأرياف. وفى سنة 894 هـ= 1489 م. توفى محمد بن البدر الجوجرى من أثر الضرب والتعذيب.وفى سنة 895 هـ   1490 م توفى محمد شمس الدين البحيرى، أحد قراء قاعة الدهيشةبعد أن ضرب لجريمة ارتكبها. وفى سنة 911 هـ= 1505 م توفى شاب صوفى يدعى محمد بن سلامة الهمذانى بسبب تزوجه بامرأة خنثى ادعى البعض عليه أنها صبى وأنه يمارس معه اللواط، فضرب حتى الموت وأشهر وجرس على ثور وأرسل إلى خزانة شمايل ليحبس فمات فيها من أثر التعذيب.

سجن الديلم: كان موقعه بحارة الديلم غربي الجامع الأزهر، ومِمن حبس فيه: أحمد بن تيمية سنة 704 هـ= 1303 م، وشهاب الدين أحمد العبادى من فقهاء الحنفية سنة 797 هـ   ، وأبو الخير النحاس، والشهاب أحمد المدنى وضرب مائة سوط وجعل فى رقبته جنزير ثم وضع بسجن الديلم، والشمس الديسطى وأُفرج عنه سنة 854 هـ= 1450 م، وتوفى فيه حسن الدمياطي سنة 882 هـ= 1477 م.  وكان سجن الديلم يتبع لإدارة القضاة، فقد ذكر الألوسى أن ابن تيمية اعتقل فى “حبس القضاة بحارة الديلم”. وبقي سجن الديلم مأهولاً بالمساجين حتى نهاية دولة المماليك، حتى أن السلطان سليم لأول حينما أحتل مصر قبض على مجموعة من المماليك وأودعهم فيه.

حبس رحبة باب العيد: وكان يقع فى رحبة باب العيد، بالقرب من درب قراصيا، ودرب السلامى الذى يؤدى إلى باب العيد، وكان يجاوره حانوت يسمى حانوت الزفتاوى .وسمى برحبة باب العيد نسبة إلى هذا الرحبة التى كانت فى غاية الاتساع، وكان الجنود الخيالة والراجلة يصطفون يومى العيد من كل عام حيث يخرج عليهم الخليفة الفاطمى من باب العيد.

وكان هذا السجن يتبع لإدارة القضاة كما تتطرق كتب التاريخ إلى ذكر “سجن القضاة” أو “سجن الحكم” ففى سنة 690 هـ= 1291 م .أُفرج عن تقى الدين بن بنت الأعز من “سجن الحكم، وكذلك فى أحداث سنة 726 هـ= 1325 م. أمر قاضى القضاة الشافعى بحبس جماعة من أصحاب الشيخ ابن تيمية فى “حبس الحكم”. وفى سنة 802 هـ= 1400 م. كسر الزعر حبسى القضاة وأخرجوا من كان فيهما  ولم يذكر اسمى السجنين.

ويذكر المقريزى نوعين من السجون فى أحداث سنة 741 هـ= 1341 م.”: وأُفرج عن المسجونين بسجن القضاة والولاة بالقاهرة ومصر وسائر الأعمال” ونستنتج أن السجنين هما سجني الرحبة والديلم، من خلال ما ورد فى سنة784 هـ= 1382 م، رسم الأمير الكبير بإطلاق من فى سجنى الديلم والرحبة من المديونين، فأُفرج عنهم جميعهم، وأغلق باب السجنين، ومنع القضاة من سجن أحد على دين، وذلك لانتشار الغلاء وفقد الخبز من السوق. وقد بقى السجن معمولاً به حتى أواخر العصر المملوكى، فقد اعتقل فيه سنة895 هـ= 1490 م. رجلان أحدهما يدعى أحمد بن يوسف معلم المقشرة والآخر على المرجوشى بتهمة ضرب نقود الزغل.

سجن الجيزة: تقع مدينة الجيزة مقابل مصر القديمة، ويفصلهما النيل الذى يزداد عرضه فى هذه المنطقة، وهى مسورة من ناحية الغرب حيث توجد الأهرامات، وأطول امتداد لها يكون بمحاذاة النيل حيث يبلغ 1500 مترا. ولم ترد أية معلومات عن هذا السجن سوى أنه فى سنة 879 هـ= 1475 م هجم عرب غزالة على ضواحى الجيزة، ونهبوا خيول المماليك من الربيع حيث كانت ترعى، وقتلوا جماعة من الغلمان، وأطلقوا من كان فى السجن.

سجن الحجرة للنساء: وكان هذا الحبس مخصص للنساء، ففى سنة 724 هـ= 1324 م. رسم السلطان الناصر محمد بإبطال الملاهى بالديار المصرية وحبس جماعة من النساء الزوانى ، وذكر أنه فى سنة 740 هـ= 1340 م. تم مصادرة المغنيات بمبلغ يتراوح ما بين ألف درهم إلى ثلاثة آلاف درهم، وحبسن بسجن الحجرة أياماً حتى تاب بعضهن عن الغناء وتزوج بقيتهن. وفى سنة 813 هـ= 1411 م، بأمر من السلطان المؤيد شيخ كسرت أبواب السجون ومنها سجن الحجرة للنساء، وأطلق من فيها من المحابيس. وبقى سجن الحجرة معمولاً به حتى أواخر العهد المملوكى، ففى عصر السلطان الغورى  حدثت قضية زنى اعتقل بموجبها الزانى وحبست الزانية فى سجن الحجرة ثم أعدما .

سجون خارج القاهرة

سجن قوص: وهى مدينة كبيرة فى صعيد مصر، تقع على الساحل الشرقى من النيل، وتبعد مسافة 645 كم جنوب القاهرة، وقد اختيرت عاصمة للصعيد منذ عهد الدولة الفاطمية حتى نهاية دولة المماليك.  فهي عاصمة الوجه القبلى من أسوان حتى عيذاب على شاطئ البحر الأحمر. وقد استخدمت سجناً ومنفى للمعارضين، لحصانتها وبعدها عن القاهرة،  ولم يعثر على معلومات لهذا السجن فى العصر الأيوبى، ولكن فى العصر المملوكى اعتقل فيها سيف الدين بشتك الناصرى سنة 742 هـ= 1341 م. وفى السنة نفسها اعتقل فيها السلطان أبو بكر بن الناصر محمد بن قلاوون بعد خلعه وبقى  فى السجن حتى قُتل بعد خمسة أشهر من اعتقاله، واعتقل فيها الوزير ابن زنبور، وبقى فيها حتى وفاته سنة  755هـ=1354 م.

سجن الفيوم: الفيوم قال عنها ياقوت الحموى: “ولاية غربية بينها وبين الفسطاط أربعة أيام، بينهما مفازة لا ماء بها ولا مرعى مسيرة يومين وهى فى منخفض الأرض” استخدمه منطاش فى سنة 792 هـ=  1389م. لسجن الأمراء أتباع الظاهر برقوق، عندما وصله خبر خروج برقوق من سجن الكرك متوجهاً إلى القاهرة لاسترجاع ملكه من يد منطاش، وحينها أصدر منطاش أمراً لوالى الفيوم بقتل الأمراء المحبوسين فى سجن الفيوم، ثم بعد أيام أرسل والى الفيوم محضراً مفتعلاً إلى القاهرة فحواه: “أنه لما كان يوم الجمعة حادى عشرين جمادى الآخرة سقط على الأمراء المسجونين حائط سجنهم فماتوا جميعاً”. والأمراء المقتولين هم: تنكز العثمانى اليلبغاوى، وتمان تمر الأشرفى، وتمرباى الحسنى الأشرفى، وجمق الكمشبغاوى، وتمر الجركتمرى، وقطلوبغا الأحمدى اليلبغاوى، وعيسى التّركمانى، وقرابغا البو بكرى، وقرقماش الطّشتمرى، ويونس الإسعردى، ومِمن نُفِى إليها الخليفة العباسى المستكفى بالله الأول، فى عهد الملك الناصر محمد بن قلاون، وقد أجرى له الناصر محمد ما يتقوت به، وبقى فى قوص من سنة737 هـ= 1337 م. حتى وفاته سنة 740 هـ= 1340 م.، ونُفيِ إليها الملك المنصور بن قلاون بعد خلعه سنة 742 هـ= 1341 م. ثم تآمر الأمير قوصون مع عبد المؤمن متولى قوص على قتله، فقتله وحمل رأسه إلى قوصون سراً.

سجن أسوان: أسوان مدينة كبيرة وكورة فى آخر صعيد مصر وأول بلاد النوبة على النيل فى شرقيه، اتخذها المماليك سجناً ومنفى، ولكن فى حالات نادرة، فقد مات مخنوقاً فيها الصاحب الكبير كريم الدين عبد الكريم بن هبة الله القبطى المسلمانى سنة 724 هـ= 1324 م، وكان قد نُفِى إلى الشوبك، ثم إلى القدس، ثم إلى أسوان وفيها وجد مشنوقاً بعمامته.

سجون قلاع مصر

سجون قلعة مصر بجبل المقطم:

كانت قلعة الجبل فى العصر الأيوبى والمملوكى دار الملك ومركز السلطنة، وهى بناء عظيم مرتفع يحيط بها سور ضخم به عدة أبواب، وبداخل السور، توجد ديار وقصور عديدة وحمامات وأحواش، كما توجد مساكن (طباق) واسعة للمماليك السلطانية هى اثنتا عشر طبقة، كل طبقة منها تشتمل على عدة مساكن، بحيث تتسع كل طبقة لألف مملوك، وبالقلعة عدا ذلك دور الخواص الأمراء ونسائهم وأولادهم ومماليكهم ودواوينهم، فضلاً عن دار الوزارة التى اشتملت على دار الإنشاء وديوان الجيش وبيت المال وخزانة الخاص، واحتوت القلعة كذلك على الاصطبلات الشريفة التى بها الخيول السلطانية، وساحة الأغنام والطيور والحيوانات الغريبة، من زراف وفيلة وغزلان وأسود، يتخلل كل ذلك البساتين والأشجار والمياه الجارية التى ترفعها السواقى من النيل إلى مجرى العيون ثم إلى القلعة برغم ارتفاعها ما يقرب من خمسمائة ذراع، وكانت القلعة موضع عناية السلاطين دائماً، فأضافوا إليها إضافات كثيرة، وشيدوا بها عمائر جديدة من قصور ومساجد وأبراج وأحواش وقاعات وغيرها، مثل القصر الأبلق ومسجد القلعة وقد شيده الناصر محمد، وقاعة البيسرية التى أنشأها الناصر حسن. وقد اعتقل فيها المئات من الأمراء، ونذكر بعض الأمراء الذين قتلوا أو توفوا محبوسين فيها، ففى سنة 635 هـ= 1237 م. توفى فيها الملك الناصر قلج أرسلان بن الملك المنصور محمد بن عمر الأيوبى صاحب حماة، حبسه الملك الكامل.  وفى سنة 648 هـ= 1250 م شُنق فيها ناصر الدين بن يغمور استادار الملك الصالح إسماعيل، وأمين الدولة أبى الحسن غزال وزيره، بعد أن اعتقلهما الصالح أيوب فى دمشق ثم أرسلهما للاعتقال بقلعة القاهرة مدة خمس سنوات. وفى سنة 840 هـ= 1436 م. مات مسجوناً فيها الأمير حمزة بك بن على بك بن ناصر الدين ابن دلغادر. وفى سنة 916 هـ= 1510 م. توفى مسجوناً فيها القاضى بدر الدين حسن بن زين الدين بن أبى بكر بن مزهر كاتب أسرار القاهرة بعد تعذيب شديد. واحتوت القلعة على عدد من السجون، فقد استخدمت أغلب الأبراج بغرض الاعتقال، فقد قال المقريزى عند ذكره القلعة:”وبها عدة أبراج يحبس بها الأمراء والمماليك” ونذكر منها:

البرج الجوانى: فقد ورد فى أحداث سنة 693 هـ= 1294 م. أن الأمراء التابعين للناصر محمد قبضوا على الشجاعى وأخرجوه إلى مكان ليسجن فيه فتوجه به أحد الأمراء إلى البرج الجوانى، ثم قتله فى الطريق، وأرسل رأسه إلى الناصر محمد، الذى كان خارج أسوار القلعة.

برج باب السلسلة: عرف مِمن سجن فيه الأمير اسكندر بن النحال سنة 895 هـ= 1490 م. الأمير الكبير ممتاز، سجنه مماليك السلطان قانصوه حينما أراد تولية السلطنة لابن السلطان محمد بن قانصوه سنة 901 هـ= 1496 م.

برج العافية: وفيه قُتل الملك العادل أبو بكر بن الكامل خنقاً فى سنة 645 هـ   1247 م. بأمرٍ من أخيه الملك الصالح أيوب .

برج باب القرافة: وكان مخصصاً لاعتقال من تمت عليه المصادرة وطُولب بأموال للسلطان، اعتُقل فيه كريم الدين أكْرم الصغِير بعد قدومه على خيل البريد من صفد إِلَى قلعه الجبل وذلك سنة723 هـ= 1323 م، ومكث فى السجن 18 يوماً.

برج الزاوية: وهو مجاور لباب القلعة، قام بإنشائه السلطان الظاهر بيبرس سنة 658 هـ= 1260 م. وفيه قام السلطان المؤيد شيخ باعتقال الخليفة المستعين بالله سنة 819 هـ= 1417 م.

برج السباع: اعتُقل فيه الأمراء طوغان نائب البيرة وعلم الدين سنجر البروانى وبيبرس المجنون وفخر الدين أباز نائب قلعة الروم والحاج بيليك وسيف الدين طاجا والشيخ على مملوك سلار، وتم التشديد عليهم ومنع حريمهم من الإقامة عندهم، وذلك سنة 718 هـ= 1318 م.  واعتقل فيه الأمير دمرداش سنة 728 هـ= 1327 م. واعتُقل فيه الخليفة المستكفى بالله العباسي فى زمن السلطان الناصر محمد سنة 736 هـ= 1336 م. ورسم على الباب جاندار بالنّوبة، واعتقل ابن عمه إبراهيم فى برج بجواره، ورسم عليه جاندار آخر ومنعا عن الاجتماع بالناس.

برج الحية: اعتُقل فيه الخليفة العباسى المتوكل على الله فى زمن الملك الظاهر برقوق، سنة 785 هـ= 1383 م، ومكث فيه نحو 6 سنين، ثم أخرج سنة 791 هـ= 1389 م.

خزانة الخاص: فى سنة 791 هـ= 1389 م. قام منطاش بإخلاء خزانة الخاص بالقلعة، وسدت شبابيكها وبابها وفتح من سقفها طاقة وعملت سجناً مثل الجب وسجن فيها المماليك الظاهرية أتباع الظاهر برقوق  وكانوا حوالى 500 معتقل.

سجن العرقانة بالقلعة: ويقع داخل الحوش السلطانى فى القلعة، وبدأ العمل بهذا السجن قبل عام  895هـ= 1490 م. فى زمن السلطان قايتباى، وأنشأه الطواشى سرور شاد الحوش السلطانى، وكان يحبس فيه أصحاب الجرائم، وقد وصفه جاستون فييت نقلاً عن الرحالة الأوروبيين الذين زاروا القلعة بأن هناك سجناً لا يقل سوءاً عن سجن الجب الذى كان بالقلعة وهو سجن العرقانة أى بركة الوحل، وكان يستخدم للمسجونين السياسيين أو التجار الذين خالفوا القانون، بعض هؤلاء المسجونين وضعوا فى الحديد، وتركوا هناك سنين طويلة، وبطبيعة الحال كان الهروب ممكناً، ولكن تحت خطر كبير”

ونذكر بعض من سجن فيه:

سنة 895 هـ= 1490 م. اعتقل فيها شخص يدعى عبد القادر بن النقيب، وفى سنة 908 هـ= 1503 م. قبض السلطان على محمد بن يوسف ناظر الأوقاف وسجنه بالعرقانة بسبب مال قد انكسر عليه ولم يقم به. وفى سنة 909 هـ= 1503 م. رسم بحبس أحد المماليك يسمى عنبر، وفى سنة 915 هـ= 1509 م. قبض السلطان على الشهابى أحمد بن الجيعان وقرر عليه خمسة آلاف دينار، وفيه أفرج السلطان عن شرف الدين يونس النابلسى الأستادار، وقرر عليه عشرة آلاف دينار، وكان قد قاسى شدائد ومحناً، وأقام فى السجن بالعرقانة نحواً من عشرة أشهر وهو فى زنجير وقيد مخشب اليدين.

الزردخانة: وهي فى الأصل الزراد خانه وتعنى مصنع ومخزن السلاح، واستخدمت بعد ذلك سجناً، وهي أرفع قدراً فى الاعتقالات من السجن المطلق، ولا تطول مدة المعتقل بها، فإما يخلى سبيله أو يقتل.

واعتقل فيها القاضي سعد الدين بن غراب وأخاه فخر الدين سنة 805 هـ= 1403 م.

سجون أبراج إسكندريه

ثغر إسكندريه كان مليئاً بالأبراج القوية التى بنيت لصد هجمات الصليبيين من البحر، وكانت تستخدم فى أوقات السلم سجوناً للأمراء المغضوب عليهم، فكانت بمثابة سجناً ومنفى للأمراء الذين يخشى السلطان على ملكه منهم، كما كانت تجرى فيها عمليات الإعدام بأمر السلطان.

وقد كانت أبراج إسكندريه تتنوع بين أبراج مظلمة يتعرض فيها المعتقل لضيق شديد، وبين أبراج متسعة فسيحة، والدليل على ذلك أنه اعتقل أحد التجار ويدعى بدر الدين حسن السكندرى فى سنة 843 هـ= 1439 م. فى هيئة شنيعة فحبس بالبرج وحوسب إلى أن استقر عليه شىء يسير وأطلق، كما تذكر لنا كتب التاريخ أنه تقرر على أحد التجار مبلغ من المال للسلطان، “وأمر بحبسه فى البرج، فحبس فى برج مظلم وضيق عليه، فأقام إلى أن قلب الله قلبه، وأمر بإخراجه منه، وتسلمه نائب القلعة، فأنزله فى غرفة علية، وهى أعلى بناء فى القلعة، فأقام بها أكثر من شهر إلى أن أُفرج عنه”  ومن المرجح أن عمليات الاعتقال فى إسكندريه كانت تتم فى الأبراج التالية:

برج شرقى: ذكر ابن حجر أن تقى الدين أحمد بن تيمية عندما اعتقله المماليك بإسكندريه فى صفر سنة 709 هـ= 1310 م،  “نزل فى برج شرقى، وكان موضعه فسيحاً، فأصبح الناس يدخلون إليه ويقرؤون عليه، ويبحثون معه دون أن يمنعهم أحد”  وأورد ابن كثير أن ابن تيمية أقام بإسكندريه فى “برج واسع فسيح متسع الأكناف نظيف له شباكان أحدهما يطل ناحية البحر، والآخر جهة المدينة” ومن المحتمل أن يكون هذا البرج المذكور قريباً من باب شرقى، ولعله أحد البرجين الكبيرين المتبقيان حالياً فى الشلالات فى المنطقة الواقعة شمالي موضع باب رشيد أو باب شرقى، وهما برجان يشرف المرء منهما على البحر من جهة وعلى المدينة من جهة ثانية.

برج ضرغام: هذا البرج من بناء الأمير أبى الأشبال ضرغام بن سوار اللخمى، أنشأه بالقرب من باب البحر فى سنة 577 هـ= 1181 م. وذكر النويرى أنه كان يتقدم سور إسكندريه الشمالى ابتداء من ساحل بحر السلسلة والباب الأخضر غرباً إلى قلعة ضرغام شرقاً خندق قديم، ومعنى ذلك أن برج ضرغام كان يقع فى السور الممتد ما بين باب البحر والباب الأخضر. وقد تعرض برج ضرغام لاعتداء القبارصة فى غزوتهم التي حدثت فى سنة 767 هـ= 1365 م. فأحرقوه ولكن الأمير ابن عرام أصلحه فى حدود سنة 774 ه.= 1373 م.

برج باب الزهرى: وهو برج ضخم نصف دائرى ما زال قائماً بجوار باب الزهرى أول أبواب السور القبلى من جهة الشرق، تتخلل جدرانه منافذ للسهام، وتعلوه من الداخل قبوات متداخلة.



برج السلسلة: هى المنار التى ذكر ابن بطوطة أن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون شرع فى بنائه بإزاء منار إسكندريه القديم المتخرب، فعاقه الموت عن تمامه، ثم أكمله الأشرف شعبان على شكل برج اسطوانى الشكل قام ببنائه صلاح الدين بن عرام، على الأساس الذى أسسه السلطان الناصر محمد، وكان يرى من بعيد كأنه مسجد، وقد تعرض البرج المذكور فترة الأحتلال العصر العثمانى لأضرار جسيمة ثم تهدم فى الثلث الأول من القرن العشرين.

برج يشبك الدوادار: اكتشف أطلاله سنة 1958 م، وكان يستخدم سجناً للأمراء والسلاطين المعزولين، فيه اعتقل الظاهر قانصوه سنة 905 هـ= 1500 م. بعد خلعه من السلطنة، وكان مصيره مجهولاً حتى عام 906 هـ= 1501 م .حيث اكتشف الناس أنه ما زال حياً، ويذكر ابن طولون: ” بلغنى أن الظاهر قانصوه خال الناصر حى باق وهو مقيم ببرج يشبك الدوادار بإسكندريه”.

سجن قلعة السلسلة بدمياط: كان سجن دمياط معمولاً به منذ عهد الدولة الفاطمية، فقد اعتقل فيه ابن أبى كدينة سنة 466 هـ= 1075 م، ثم أمر الوزير بدر الجمالى بقتله فى السجن.  وكانت دمياط مخصصة لنفى وسجن الأمراء، فقد اعتقل فيها مجموعة من الأمراء سنة 742 هـ= 1341 م. منهم آقسنقر الناصرى وبرسبغا الحاجب وتلجك ابن أخت قوصون، ومماليك قوصون وكانوا مقيدين مزنجرين. واعتقل فيها الأمير تغرى بردى المحمودى حتى سنة  838 هـ= 1435 م.، وفى سنة 840 هـ= 1436 م. كان معتقلاً فيه الأمير جرباش قاشق.  وتوفى فيها الأمير سودون بن عبد الرحمن فى نفس العام، وتوفى فيها أيضاً أمير مكة على بن حسن بن عجلان سنة 853 هـ= 1449 م. وكان سجنها أخف وطأة وأفضل حالاً من سجن إسكندريه، فكان السلطان إذا أراد أن يخفف من سجن أحد الأمراء المسجونين فى إسكندريه ينقله إلى دمياط، ففى سنة 828 هـ= 1425 م. شفع فى طرباى بأن يطلق من سجن إسكندريه إلى دمياط فأجيب إلى ذلك. وفى حالة خوف السلطان من هروب الأمراء المسجونين أو المنفيين من دمياط، وإعلانهم العصيان والتمرد كان يأمر بالتضييق عليهم ونقلهم إلى سجن إسكندريه، ففى سنة 802 هـ= 1400 م. وأثناء تجهز السلطان لحرب تنم القادم من دمشق أمر السلطان الأمير سودون المأمورى الحاجب بالتوجه إلى دمياط لينقل منها الأمير يلبغا الأحمدى المجنون الأستادار، والأمير تمربغا المنجكى، وطغنجى، وبلاط السعدى، وقراكسك إلى سجن إسكندريه، ولكنهم تمكنوا من الهرب فى الطريق. وقد اتخذت دمياط منفى للأمراء ففى سنة 815 هـ= 1412 م.، أُفرج عن كمشبغا الفيسى من سجن إسكندريه، ونُفِى إلى دمياط، وفى سنة 825 هـ= 1422 م. أُفرج عن الخليفة العباسى المستعين بالله الذى ولى السلطنة وكان المؤيد سجنه بإسكندريه فنقله إلى دمياط، لكونها أبسط له، فلم يوافق واستأذن أن يقيم بإسكندريه بغير سجن، فأجيب إلى ذلك. وفى سنة 828 هـ= 1425 م. أُفرج عن الأمير بيبغا المظفرى ونقل من سجن إسكندريه إلى دمياط وجهز إليه فرس ليركبه هناك، وفى سنة 842 هـ= 1438 م. رسم السلطان الظاهر جقمق بالإفراج عن الأمير خشقدم الطواشي اليشبكى، ونائبه فيروز الركنى من سجن إسكندريه، ورسم لهم بالتوجه إلى دمياط مقابل خمسة عشر ألف دينار. وفى سنة، 780 هـ= 1378 م. أطلق طشتمر من سجن إسكندريه ونقل إلى دمياط فأقام بها بطالاً. ونُفِى إليها يلبغا الأستادار سنة 800 هـ= 1398 م. وإينال باى بن قجماس.



سجون الجباب

كانت سجون الجباب من أشنع السجون الموجودة فى ذلك الوقت، وقد كانت مستخدمة فى عدد من الدول، فقد استخدمها العباسيون، وحبسوا بعض المعتقلين فى بئر فى سجن المطبق.  واستخدمها الفرنجة لحبس الأسرى المسلمين كما ذكر الأمير أسامة بن منقذ فى قصة ابن والى الطور الذى أسره الصليبيون وحبسوه فى جب فى بيت جبريل وبقى فى سجنه حتى قام أحد البدو بحفر نفق إلى الجب وأنقذه من الأَسر، وكذلك استخدمه السلاجقة، فبعد انتصار الأمير بلك بن أرتق على الصليبيين فى سنة 517 هـ= 1122 م. أسر ملك بيت المقدس بلدوين الثانى والأمير جوسلين ووضعهم فى جب بقلعة خرتبرت. ومن الأسماء الأخرى التى أطلقت على الجب اسم “المطمورة”، وهى حفرة فى الأرض تُضيق فتحتها، وتوسع من القاع. وقد كان المساجين يدلَّون إلى الجب من فتحة أعلاه ثم يغلق عليهم، وكان الطعام والماء يدلى إليهم من طاقة فى سقف الجب، فكانوا يمكثون فى الظلام الدامس، والروائح الكريهة، والشدائد العظيمة، ولنا أن نتصور أن يوضع إنسان فى بئر لمدة طويلة لا يرى فيها الشمس ولا يتجدد عليه الهواء، ويضطر أن يأكل ويبول ويتبرز فى نفس المكان، فمن المؤكد أن المكان سيتحول إلى مرتع للديدان والأمراض والحشرات والقوارض. وقد ذكرت بعض المصادر عن وجود الوطاويط فى هذه الجباب، كما ذكر المقريزى عن جب قلعة القاهرة. أما عن الأوضاع النفسية للمعتقلين فى هذه الجباب، فإنه يصل بهم اليأس إلى درجة تمنى الموت، فقد وصف الأمير حسام الدين الهذبانى وضعه النفسى عندما كان محبوساً فى الجب قائلاً: “لما كنت فى الجب بقلعة بعلبك لا أفرق بين الليل والنهار، حدثتنى نفسى وأنا فى تلك الحال التى تشعر باليأس من الحياة بالكلية أننى أخرج من الحبس …”  وقد استخدم الأيوبيون والمماليك الجباب لسجن المعارضين السياسيين، وقد وصلتنا أسماء وأوصاف عدد من هذه الجباب ومنها:

جب قلعة الجبل بالقاهرة: كان هذا الجب مخصصاً لسجن الأمراء المعارضين للسلطان، وبدأ العمل بهذا الجب فى سنة 681 هـ= 1282 م. فى عهد السلطان المنصور قلاون، وبقى إلى أن أمر السلطان الناصر محمد بن قلاون بردمه فى سنة 729 هـ= 1328 م.  وكان مصير المسجونين فى الجب يؤول أحياناً إلى القتل أو الموت فمثلاً فى سنة 617 ه/ 1220 م أمر السلطان الكامل الأيوبى بحبس الملك الناصر بن المنصور صاحب حماة فى الجب وتوفى فيه على أسوأ حال، وفى سنة 643 هـ= 1245 م. أمر الملك الصالح أيوب بشنق ابن يغمور وزير الصالح إسماعيل، وفى سنة692  هـ= 1293 م. خنق الأمراء سنقر الأشقر، وجرمك، والهاروني، وبكتوت، وبيبرس، وطقصوا، وفى سنة 698 هـ= 1299 م. قتل الأمير منكوتمر على باب الجب، وفى نفس السنة توفى الأمير بدر بيسرى الشمسى الصالحى وهو محبوس بالجب، وكان شيخاً كبيراً. وفى سنة 791هـ= 1389 م. خنق ستة من المماليك المحبوسين فى جب القلعة، والذين تمردوا فى منطقة قوص، وفى سنة 719 هـ= 1319 م. توفى الأميران سيف الدين منكوتمر الطباخى، وسيف الدين أركتمر وفى سنة 816 هـ= 1414 م. قتل الأمير تغرى بردى الملقب بسيدى الصغير.

29 ديسمبر 2013

1984

اوبراين: "كيف يؤكد إنسان سلطته على إنسان آخر يا وينستون ؟"
قال وينستون بعد تفكير: "يجعله يقاسي الألم"
رد أوبراين: "أصبت فيما تقول. بتعريضه للألم , فالطاعة وحدها ليست كافية , وما لم يعانِ الإنسان الألم كيف يمكنك أن تتحقق من انه ينصاع لإرادتك لا لإرادته هو ؟
إن السلطة هي إذلاله و إنزال الألم به , وهي أيضا تمزيق العقول البشرية إلى أشلاء ثم جمعها ثانية وصياغتها في قوالب جديدة من اختيارنا.
هل بدأت تفهم أي نوع من العالم نقوم بخلقه الآن ؟ إنه النقيض التام ليوتوبيا المدينة الفاضلة التي تصورها المصلحون الأقدمون, إنه عالم الخوف و الغدر والتعذيب, عالم يدوس الناس فيه بعضهم بعضا.
عالم يزداد قسوة كلما أزداد نقاء , إذ التقدم في عالمنا هو التقدم باتجاه المزيد من الألم.
لقد زعمت الحضارات الغابرة أنها قامت على الحب والعدالة أما حضارتنا فهي قائمة على الكراهية, ففي عالمنا لا مكان لعواطف غير الخوف و الغضب والإنتشاء بالنصر وإذلال الذات, واي شيء خلاف ذلك سندمره تدميراً



إريك آرثر بلير 
"جورج اورويل"
1984