يقول المقريزي في كتابه السلوك لمعرفة دول الملوك عن الملكة شجر الدر :
هي الملكة عصمَة الدّين أم خَلِيل شجر الدّرّ كَانَت تركية الْجِنْس وَقيل بل أرمنية اشْتَرَاهَا الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب وحطت عِنْده بِحَيْثُ كَانَ لَا يفارقها سفرا وَلَا حضرا. وَولدت مِنْهُ ابْنا اسْمه خَلِيل مَاتَ وَهُوَ صَغِير. وَهَذِه الْمَرْأَة شجر الدّرّ هِيَ أول من ملك مصر من مُلُوك التّرْك المماليك وَذَلِكَ أَنه لما قتل الْملك الْمُعظم غياث الدّين تورانشاه ابْن الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب كَمَا تقدم ذكره اجْتمع الْأُمَرَاء المماليك البحرية وأعيان الدولة وَأهل المشورة بالدهليز السلطاني وَاتَّفَقُوا على إِقَامَة شجر الدّرّ أم خَلِيل زَوْجَة الْملك الصَّالح نجم الدّين أَيُّوب فِي مملكة مصر وَأَن تكون العلامات السُّلْطَانِيَّة على التواقيع تبرز من قبلهَا وَأَن يكون مقدم الْعَسْكَر الْأَمِير عز الدّين أيبك التركماني الصَّالِحِي أحد البحرية. وحلفوا على ذَلِك فِي عَاشر صفر وَخرج عز الدّين الرُّومِي من المعسكر إِلَى قلعة الْجَبَل وأنهى إِلَى شجر الدّرّ مَا جرى من الِاتِّفَاق فأعجبها وَصَارَت الْأُمُور كلهَا معقودة بهَا والتواقيع تبرز من قلعة الْجَبَل وعلامتها عَلَيْهَا وَالِدَة خَلِيل. وخطب لَهَا على مَنَابِر مصر والقاهرة وَنقش اسْمهَا على السِّكَّة ومثاله المستعصمة الصالحية ملكة الْمُسلمين وَالِدَة الْملك الْمَنْصُور خَلِيل أَمِير الْمُؤمنِينَ وَكَانَ الخطباء يَقُولُونَ فِي الدُّعَاء: اللَّهُمَّ أَدَم سُلْطَان السّتْر الرفيع والحجاب المنيع ملكة الْمُسلمين وَالِدَة الْملك الْخَلِيل وَبَعْضهمْ يَقُول بعد الدُّعَاء للخليفة: واحفظ اللَّهُمَّ الْجُبَّة الصالحية ملكة الْمُسلمين عصمَة الدُّنْيَا وَالدّين أم خَلِيل المستعصمية صَاحِبَة الْملك الصَّالح.
ثم تزايدت الوحشة بَين الْملك الْمعز أيبك وَبَين شجر الدّرّ فعزم على قَتلهَا. وَكَانَ لَهُ منجم قد أخبرهُ أَن سَبَب قتلته امْرَأَة فَكَانَت هِيَ شجر الدّرّ. وَذَلِكَ أَنه كَانَ قد غير عَلَيْهَا وَبعث يخْطب ابْنة صَاحب الْموصل. وأتفق أَن الْمعز قبض على عدَّة من البحرية وَهُوَ على أم البادر وسيرهم ليعتقلوا بقلعة الْجَبَل وَفِيهِمْ أيدكين الصَّالِحِي. فَلَمَّا وصلوا تَحت الشباك الَّذِي تجْلِس فِيهِ شجر الدّرّ علم أيدكين أَنَّهَا هُنَاكَ فخدم بِرَأْسِهِ وَقَالَ التركي: الْمَمْلُوك أيدكين بشمقدار وَالله يَا خوند مَا علمنَا ذَنبا يُوجب مسكنا إِلَّا أَنه لما سير يخْطب بنت صَاحب الْموصل مَا هان علينا لِأَجلِك فَإنَّا تربية نِعْمَتك ونعمة الشَّهِيد المرحوم فَلَمَّا عتبناه تغير علينا وَفعل بِنَا مَا تَرين فأومأت شجر الدّرّ إِلَيْهِ بمنديل يَعْنِي: لقد سَمِعت كلامك فَلَمَّا نزلُوا بهم إِلَى الْجب قَالَ أيدكين: إِن كَانَ حبسنا فقد قَتَلْنَاهُ. وَكَانَت شجر الدّرّ قد بعثت نصرا العزيزي بهدية إِلَى الْملك النَّاصِر يُوسُف وأعلمته أَنَّهَا قد عزمت على قتل الْمعز والتزوج بِهِ وممليكه مصر. فخشي الْملك النَّاصِر يُوسُف أَن يكون هَذَا خديعة فَلم يجبها بِشَيْء. وَبعث بدر الدّين لُؤْلُؤ صَاحب الْموصل يحذر الْملك الْمعز من شجر الدّرّ وَأَنَّهَا باطنت الْملك النَّاصِر يُوسُف فتباعد مَا بَينهمَا وعزم على إنزالها من القلعة إِلَى دَار الوزارة. وَكَانَت شجر الدّرّ قد استبدت بِأُمُور المملكة وَلَا تطلعه عَلَيْهَا وتمنعه من الِاجْتِمَاع بِأم ابْنه وألزمته بِطَلَاقِهَا وَلم تطلعه على ذخائر الْملك الصَّالح. فَأَقَامَ الْملك الْمعز بمناظر اللوق أَيَّامًا حَتَّى بعثت شجر الدّرّ من حلف عَلَيْهِ. فطلع القلعة وَقد أعدت لَهُ شجر الدّرّ خَمْسَة ليقتلوه: مِنْهُم
محسن الْجَوْجَرِيّ وخادم يعرف بنصر العزيزي ومملوك يُسمى سنجر. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع عشري شهر ربيع الأول ركب الْملك الْمعز من الميدان بِأَرْض اللوق وَصعد إِلَى قلعة الْجَبَل آخر النَّهَار. وَدخل إِلَى الْحمام لَيْلًا فأغلق عَلَيْهِ الْبَاب محسن الْجَوْجَرِيّ وَغُلَام كَانَ عِنْده شَدِيد الْقُوَّة ومعهما جمَاعَة. وقتلوه بِأَن أَخذه بَعضهم بأنثييه وبخناقه فاستغاث الْمعز بشجرة الدّرّ فَقَالَت اتركوه فَأَغْلَظ لَهَا محسن الْجَوْجَرِيّ فِي القَوْل وَقَالَ لَهَا: مَتى تَرَكْنَاهُ لَا يبقي علينا وَلَا عَلَيْك ثمَّ قَتَلُوهُ.وَبعثت شجر الدّرّ فِي تِلْكَ اللَّيْلَة إِصْبَع الْمعز وخادمة إِلَى الْأَمِير عز الدّين أيبك الْحلَبِي الْكَبِير وَقَالَت لَهُ: قُم بِالْأَمر فَلم يَجْسُر وَأشيع أَن الْمعز مَاتَ فَجْأَة فِي اللَّيْل وَأَقَامُوا الصائح فِي القلعة فَلم تصدق مماليكه بذلك: وَقَامَ الْأَمِير لَهُم الدّين سنجر الغتمي - وَهُوَ يَوْمئِذٍ شَوْكَة البحرية وشديدهم - وبادر هُوَ والمماليك إِلَى الدّور السُّلْطَانِيَّة وقبضوا على الخدام والحريم وعاقبوهم فأقروا بِمَا جرى. وَعند ذَلِك قبضوا على شجر الدّرّ ومحسن الْجَوْجَرِيّ نَاصِر الدّين حلاوة وَصدر الباز وفر العزيزي إِلَى الشَّام. فَأَرَادَ مماليك الْمعز قتل شجر الدّرّ فحماها الصالحية ونقلت إِلَى البرج الْأَحْمَر بالقلعة ثمَّ لما أقيم ابْن الْمعز فِي السلطنة حملت شجر الدّرّ إِلَى أمه فِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشريه فضربها الْجَوَارِي بالقباقيب إِلَى أَن مَاتَت فِي يَوْم السبت. وألقوها من سور القلعة إِلَى الخَنْدَق وَلَيْسَ عَلَيْهَا سَرَاوِيل وقميص فبيت فِي الخَنْدَق أَيَّامًا وَأخذ بعض أراذل الْعَامَّة تكتة سراويلها. ثمَّ دفنت بعد أَيَّام - وَقد نتنت وحملت فِي قفة - بتربتها قريب الشهد النفيسي. وَكَانَت من قُوَّة نَفسهَا لما علمت أَنَّهَا قد أحيط بهَا أتلفت شَيْئا كثيرا من الْجَوَاهِر واللآلئ كَسرته فِي الهاون. وصلب محسن الْجَوْجَرِيّ على بَاب القلعة ووسط تَحت القلعة أَرْبَعُونَ طواشياً وصلبوا من القلعة إِلَى بَاب زويلة. وَقبض على الصاحب بهاء الدّين بن حنا لكَونه وَزِير شجر الدّرّ وَأخذ خطة بستين ألف دِينَار. فَكَانَت مُدَّة سلطنة الْملك الْمعز سبع سِنِين تنقص ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وعمره نَحْو سِتِّينَ سنة وَكَانَ ملكا حازماً شجاعاً سفاكاً للدماء: قتل خلقا كثيرا وشنق عَالما من النَّاس بِغَيْر ذَنْب ليوقع فِي الْقُلُوب مهابته وأحدث مظالم ومصادرات.
ثم تزايدت الوحشة بَين الْملك الْمعز أيبك وَبَين شجر الدّرّ فعزم على قَتلهَا. وَكَانَ لَهُ منجم قد أخبرهُ أَن سَبَب قتلته امْرَأَة فَكَانَت هِيَ شجر الدّرّ. وَذَلِكَ أَنه كَانَ قد غير عَلَيْهَا وَبعث يخْطب ابْنة صَاحب الْموصل. وأتفق أَن الْمعز قبض على عدَّة من البحرية وَهُوَ على أم البادر وسيرهم ليعتقلوا بقلعة الْجَبَل وَفِيهِمْ أيدكين الصَّالِحِي. فَلَمَّا وصلوا تَحت الشباك الَّذِي تجْلِس فِيهِ شجر الدّرّ علم أيدكين أَنَّهَا هُنَاكَ فخدم بِرَأْسِهِ وَقَالَ التركي: الْمَمْلُوك أيدكين بشمقدار وَالله يَا خوند مَا علمنَا ذَنبا يُوجب مسكنا إِلَّا أَنه لما سير يخْطب بنت صَاحب الْموصل مَا هان علينا لِأَجلِك فَإنَّا تربية نِعْمَتك ونعمة الشَّهِيد المرحوم فَلَمَّا عتبناه تغير علينا وَفعل بِنَا مَا تَرين فأومأت شجر الدّرّ إِلَيْهِ بمنديل يَعْنِي: لقد سَمِعت كلامك فَلَمَّا نزلُوا بهم إِلَى الْجب قَالَ أيدكين: إِن كَانَ حبسنا فقد قَتَلْنَاهُ. وَكَانَت شجر الدّرّ قد بعثت نصرا العزيزي بهدية إِلَى الْملك النَّاصِر يُوسُف وأعلمته أَنَّهَا قد عزمت على قتل الْمعز والتزوج بِهِ وممليكه مصر. فخشي الْملك النَّاصِر يُوسُف أَن يكون هَذَا خديعة فَلم يجبها بِشَيْء. وَبعث بدر الدّين لُؤْلُؤ صَاحب الْموصل يحذر الْملك الْمعز من شجر الدّرّ وَأَنَّهَا باطنت الْملك النَّاصِر يُوسُف فتباعد مَا بَينهمَا وعزم على إنزالها من القلعة إِلَى دَار الوزارة. وَكَانَت شجر الدّرّ قد استبدت بِأُمُور المملكة وَلَا تطلعه عَلَيْهَا وتمنعه من الِاجْتِمَاع بِأم ابْنه وألزمته بِطَلَاقِهَا وَلم تطلعه على ذخائر الْملك الصَّالح. فَأَقَامَ الْملك الْمعز بمناظر اللوق أَيَّامًا حَتَّى بعثت شجر الدّرّ من حلف عَلَيْهِ. فطلع القلعة وَقد أعدت لَهُ شجر الدّرّ خَمْسَة ليقتلوه: مِنْهُم
محسن الْجَوْجَرِيّ وخادم يعرف بنصر العزيزي ومملوك يُسمى سنجر. فَلَمَّا كَانَ يَوْم الثُّلَاثَاء رَابِع عشري شهر ربيع الأول ركب الْملك الْمعز من الميدان بِأَرْض اللوق وَصعد إِلَى قلعة الْجَبَل آخر النَّهَار. وَدخل إِلَى الْحمام لَيْلًا فأغلق عَلَيْهِ الْبَاب محسن الْجَوْجَرِيّ وَغُلَام كَانَ عِنْده شَدِيد الْقُوَّة ومعهما جمَاعَة. وقتلوه بِأَن أَخذه بَعضهم بأنثييه وبخناقه فاستغاث الْمعز بشجرة الدّرّ فَقَالَت اتركوه فَأَغْلَظ لَهَا محسن الْجَوْجَرِيّ فِي القَوْل وَقَالَ لَهَا: مَتى تَرَكْنَاهُ لَا يبقي علينا وَلَا عَلَيْك ثمَّ قَتَلُوهُ.وَبعثت شجر الدّرّ فِي تِلْكَ اللَّيْلَة إِصْبَع الْمعز وخادمة إِلَى الْأَمِير عز الدّين أيبك الْحلَبِي الْكَبِير وَقَالَت لَهُ: قُم بِالْأَمر فَلم يَجْسُر وَأشيع أَن الْمعز مَاتَ فَجْأَة فِي اللَّيْل وَأَقَامُوا الصائح فِي القلعة فَلم تصدق مماليكه بذلك: وَقَامَ الْأَمِير لَهُم الدّين سنجر الغتمي - وَهُوَ يَوْمئِذٍ شَوْكَة البحرية وشديدهم - وبادر هُوَ والمماليك إِلَى الدّور السُّلْطَانِيَّة وقبضوا على الخدام والحريم وعاقبوهم فأقروا بِمَا جرى. وَعند ذَلِك قبضوا على شجر الدّرّ ومحسن الْجَوْجَرِيّ نَاصِر الدّين حلاوة وَصدر الباز وفر العزيزي إِلَى الشَّام. فَأَرَادَ مماليك الْمعز قتل شجر الدّرّ فحماها الصالحية ونقلت إِلَى البرج الْأَحْمَر بالقلعة ثمَّ لما أقيم ابْن الْمعز فِي السلطنة حملت شجر الدّرّ إِلَى أمه فِي يَوْم الْجُمُعَة سَابِع عشريه فضربها الْجَوَارِي بالقباقيب إِلَى أَن مَاتَت فِي يَوْم السبت. وألقوها من سور القلعة إِلَى الخَنْدَق وَلَيْسَ عَلَيْهَا سَرَاوِيل وقميص فبيت فِي الخَنْدَق أَيَّامًا وَأخذ بعض أراذل الْعَامَّة تكتة سراويلها. ثمَّ دفنت بعد أَيَّام - وَقد نتنت وحملت فِي قفة - بتربتها قريب الشهد النفيسي. وَكَانَت من قُوَّة نَفسهَا لما علمت أَنَّهَا قد أحيط بهَا أتلفت شَيْئا كثيرا من الْجَوَاهِر واللآلئ كَسرته فِي الهاون. وصلب محسن الْجَوْجَرِيّ على بَاب القلعة ووسط تَحت القلعة أَرْبَعُونَ طواشياً وصلبوا من القلعة إِلَى بَاب زويلة. وَقبض على الصاحب بهاء الدّين بن حنا لكَونه وَزِير شجر الدّرّ وَأخذ خطة بستين ألف دِينَار. فَكَانَت مُدَّة سلطنة الْملك الْمعز سبع سِنِين تنقص ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وعمره نَحْو سِتِّينَ سنة وَكَانَ ملكا حازماً شجاعاً سفاكاً للدماء: قتل خلقا كثيرا وشنق عَالما من النَّاس بِغَيْر ذَنْب ليوقع فِي الْقُلُوب مهابته وأحدث مظالم ومصادرات.
















