29 أكتوبر 2018

آخرة المماليك- الجزء الثالث

لما دخل جيش السلطان سليم مصر نادي طومانباي في عسكره أن كل من جاء برأس رومي له مايريد من كل شيئ فخطف المماليك كثيرا من جنود بن عثمان وقدموا رؤوسهم للسلطان فصار يجزل عطاياهم ولكن للخيانة رأي آخر..أرسل الأمير جانبردي الغزالي الي السلطان سليم يخبره بتفاصيل خطة المماليك  وأنهم اخرجوا مدافعهم الكبيرة و جعلوها في الريدانية-منطقة العباسية حاليا- و أنه نصحهم بدفنها في الرمال حتي لا يعلم أحد من الجواسيس مكانها ونصح السلطان سليم أن يلتف بجنوده و يأتي من ناحية الجبل من خلف المدافع ..وفي ليلة المعركة الفاصلة معركة الريدانية اجتمع طومانباي مع إثنين من أشجع أمراءه وهما الأمير علان والأمير كرتباي الوالي و كانوا قد تأكدوا من خيانة جانبردي الغزالي و لكن خشوا أن يقتلوه فيفتن العسكر و يتفرقوا و أتفق الثلاثة أن يقصدوا سنجق السلطان سليم فلا يرجعوا إلا أن يقتلوه او يقتلوا..وبدأت المعركة و انقض طومانباي ومعه الأميران علان وكرتباي علي جنود ابن عثمان فاخترقوا الصفوف في بسالة نادرة حتي وصلوا إلي صنجق-راية- السلطان فظن طومانباي أن الذي تحت الراية السلطان سليم فجذبه بيده ورفعه ثم رماه علي الأرض و انقض عليه الأمير كرتباي فقطع رأسه
و لكن للأسف كان القتيل هو الوزير سنان باشا (من الطرائف أن أسماء أهم ثلاثة شوارع في حي الزيتون هي سليم الأول وطومان باي وسنان باشا )..ثم عاد طومان باي و الأميرين يخترقوا الصفوف ليعودوا إلي جيشهم فوجدوا الجيش قد انهزم و هرب أغلب الجنود ثم أصيب الأمير علان في قصبه رجله بطلقة بندقية فخرج من المعركة ولم يبق مع طومانباي إلا الأمير كرتباي الوالي فاتجه ناحية طرا –طرة البلد حاليا- وتبعه بعض الأمراء والجنود تباعا حتي وصل عددهم إلي سبعة الاف فارس
اما السلطان السليم فدخل القاهرة ومكث في القلعة وقت قليل ونزل منها ثم فضل أن يكون مقر اقامته في جزيرة في النيل ليأمن علي نفسه..أما طومانباي و جنوده فبعد أن جمعوا شتات أنفسهم اتفقوا علي الرجوع إلي مصر -القاهرة- وأن يحاربوا عدوهم حتي يفنوا عن آخرهم..فرجع ونزل في الشيخونية وهي المنطقة من مسجد شيخون بشارع الصليبة بالسيدة زينب حاليا وحتي القلعة و انتشرت جنوده في الحارات فقتلوا من جنود ابن عثمان نحو عشرة الاف في ليلة واحدة وفي صباح اليوم التالي هجمت جنود ابن عثمان علي الشيخونية وكانت حرب في الشوارع و الحواري فانكسروا و كرروا الهجوم ثلاثة أيام فكانت الكسرة عليهم في كل مرة و قتل منهم نحو خمسة عشر الفا في ثلاثة أيام.

و يقول ابن إياس أن السلطان سليم لما علم بأن طومانباي ينزل في جامع شيخون أرسل عساكره فاحرقت الجامع " فتح عثماني بقي "..فلما ازدادت خسائر ابن عثمان قرر أن يركب بنفسه و يواجه طومانباي في الرميلة ونوي أن وقعت الكسرة عليه يرجع إالي بلاده وطبعا لأن المعركة كانت في ميدان مفتوح وكان للعثمانين ميزة استخدام البنادق عن بعد فقد هزموا الجراكسة مرة اخري و هرب أغلب المماليك إلا طومانباي وقف يقاتل كالأسد وقتل عددا لا يحصي من جنود ابن عثمان ثم اخذ في الإنسحاب تدريجيا لما رأي هزيمة جنوده و كان قد اتفق مع عسكره أنه في حالة الهزيمة يكون موعدهم الجيزة ..بعد موقعة الريدانيه عاد السلطان سليم إلي جزيرته منتصرا و طلب مشورة خاير بك فقال له نادي بالأمان علي الجراكسة لمدة ثلاثة أيام – بمعني أن من سلم نفسه من الجراكسة خلال الأيام الثلاثة فهو آمن – و من وجد عنده جركسي بعد الأيام الثلاثة شُنق علي باب داره ومن أبلغ عن جركسي فعليه الأمان ..وكان الأمير الشجاع كرتباي الوالي قد اصيب بطلقة بندقية في فخذه فاختبأ عند رجل من اصحابه فلما سمع هذا الرجل النداء خاف علي نفسه وقال لنفسه الأفضل أن أذهب الي السلطان سليم وأخبره أن الأمير كرتباي عندي وآخذ له الأمان فأنجو أنا وينجو الامير وفعلا ذهب الي السلطان ففرح جدا و أرسل معه منديل الأمان و المصحف وكتب كتابا إلي الأمير كرتباي يؤمنه فيه علي نفسه إن جاء إليه فرجع الرجل إلي الأمير كرتباي واقنعه بتسليم نفسه وفعلا ذهب الأمير إلي السلطان ووقف أمامه وقفة الشجعان و تكلم بكل شجاعة وفصاحة و قال للسطان انه لم ينتصر إلا بالبندق فليس في جنوده من يقدر علي مواجهة ابطال المماليك في الميدان وقال خطبة عصماء في مواجهة السلطان ورغم غضب السلطان منه إلا أنه رأي أن يستفيد من شجاعة هذا الأمير و يضمه إلي جيشه و لكن خاير بك خوفه أن هذا الأمير يقتله أو يفسد عليه عسكره وأشار عليه بقتله فقتله ابن عثمان رغم انه كان قد سبق و اعطاه الأمان..وظل الأمير كرتباي علي شجاعته وصلابته حتي سب السلطان سليم سبابا فاحشا و السياف واقفا فوق رأسه يستعد لقطعها.
أما طومانباي فبعد أن اجتمع مع من تبقي من عسكره في بر الجيزة و تشاوروا في امرهم اتجه طومانباي إلي الصعيد وقصد هوارة وطلب منهم النصرة و ان يرفع عنهم الخراج ثلاث سنوات فأبوا فعاد ادراجه و تبعه سبعة الاف من العربان محبة فيه
و قرب اطفيح رأي طومانباي سفن حربية في النيل فعلم أن السلطان سليم أرسلها لمواجهته وكانت قوات السلطان سليم بقيادة الأمير جانم السيفي أحد الأمراء الخونة في جيش طومانباي الذين انضموا إلي بن عثمان جاء اليه بجيش كبير به اكثر من عشرين الف جندي فلما اصطف الفريقان للحرب ارتعبت العربان من النيران فقالوا نحن نرجع إلي الخلف وننظر من كانت الكسرة عليه نهبناه وبقي مع طومانباي عدد قليل من جنوده ورغم ذلك قاتلوا قتال الأبطال و لم يستطع جيش جانم السيفي هزيمته وعاد الي سفنه مرة اخري. وفي الليل اتفق طومانباي مع أمراءه علي أن يقسموا الجيش إلي فرقتين واحدة تواجه جيش العثمانيين و الثانية تلتف من حوله و تأخذ السفن ثم تنقض علي العثمانيين من الخلف و بالفعل نجحت الخطة في اليوم التالي و انتصر جيش طومانباي انتصارا ساحقا وتسبب ذلك في غضب السلطان سليم غضبا شديدا علي خاير بك كونه هو من حرض السلطان علي دخول مصر..ثم قرر السلطان سليم أن يرسل إلي طومانباي يطلب منه أن يدخل تحت طاعته و أن تكون السكة و الخطبه باسمه علي يحكم طومانباي مدي الحياة..فلما وصلت الرسل إلي طومانباي فقراأ الرسالة و تشاور مع أمراءه فقرروا رفض ما فيها و الاستمرار في قتال ابن عثمان بل وقتلوا الرسول.

تحرك ابن عثمان بقواته وأمر العسكر بالعبور إلي البر الغربي علي أفواج في كل فوج ما يقرب من الفين جندي فاستغل طومانباي الموقف وهجم علي الفوج الأول فأباده فأمر السلطان سليم بألا يعبر أحد الي الضفة الاخري و أمر بنصب المدافع و الضرب بها علي الجهة الأخري وأثناء المعركة حدثت مفاجأة.. جاء من خلف جيش طومانباي عدد كبير جدا من الفرسان فلما اقتربوا إذا بهم عرب غزالة فبادروا السلطان طومانباي بالسب و الشتم و طلبوا منه أن يكف عن قتال السلطان سليم وأن يخرج من أرض مصر " فإنكم قد قتلتم منا خلقا كثيرا في أيام ولايتكم وما منا أحد إلا وله أحد قد قتلتموه " فلم يجد طومانباي بدا من الإنسحاب إلي ناحية الهرم وعند الأهرامات أنشد طومانباي قصيدة طويلة من الشعر تحكي ماحدث لدولة المماليك ثم اتجه إلي دهشور ونادي أن الخراج بطال ثلاث سنوات و أنه من أرد القتال و نصرة السلطان فليسرع الينا وله ما لنا وعليه ماعلينا فاجتمع حول السلطان عدد كبير من الناس و استقر الرأي علي تجهيز جيش بقيادة الأمير شاربك الأعور _ الحقيقة هو كان أحول وليس أعور ولكن المصريون يحبون المبالغة _وهو من الأبطال الصناديد و الفرسان القلائل .. وتوجه شاربك لمحاربة ابن عثمان علي أن ينتظر طومانباي في دهشور..أما السلطان سليم فندم أشد الندم علي دخوله مصر وقرر مرة أخري إرسال رسول إلي طومانباي لعقد صلح بينهما وكان الرسول هو الأمير خوشقدم ..فقابل خوشقدم جيش طومانباي بقيادة الأمير شاربك و عرض عليه الصلح ولكن حدثت مشادة بينه وبين أمراء المماليك نظرا لوجود منافسة و مشاحنة بينهم سابقا وكانت النتيجة أن اقتتل خوشقدم مع المماليك و اصيب وقُتل أكثر من كان معه فعاد إلي السلطان السلم اللذي اغتاظ غيظا شديدا و استدعي خاير بك و أخبره أنه يريد العوده إلي بلاده وطبعا خاين بك يعلم تماما أنه في حال عودة السلطان سليم إلي بلاده فإن طومانباي و المماليك سيتخلصون منه بسبب خيانته و لذلك عمل مرة أخري علي اقناع ابن عثمان بالبقاء في مصر
جهز ابن عثمان جيشا فيه أربعين الف فارس ومثلهم مشاة من خلاصة شجعان جنوده و عبر النهر إلي بر الجيزة لمواجهة طومانباي.


ليست هناك تعليقات: