28 يوليو 2015

من تاريخ السجون الأيوبية والمملوكية فى مصر ......د. عبد العزيز جمال الدين



(1)

سجون القاهرة

ذكرت لنا المصادر التاريخية سجوناً التى كانت موجودة فى القاهرة، وهى:

خزانة البنود:  وكان مكانها فى زقاق يسمى خط خزانة البنود، على يمين من سلك رحبة باب العيد يريد درب ملوخيا  وكانت هذه الخزانة فى زمن الدولة الفاطمية إحدى خزائن القصر، يصنع ويخزن فيها السلاح، بناها الخليفة الفاطمى الظاهر لإعزاز دين الله على بن الحاكم لأمر الله، ولكنها احترقت فى سنة 461 هـ= 1068 م، فاتخذت سجناً يسجن فيه الأمراء والأعيان، وبقيت الخزانة تستخدم سجناً حتى  حولها الملك الناصر محمد بن قلاون منزلاً للأسرى من الفرنج يسكنون فيها إلى جوار عامة الشعب المصرى، وأُبطل السجن بها، فتحولت المنطقة إلى مكاناً للفواحش من صناعة وبيع الخمور، والزنى، واللواط، وحماية الهاربين من المجرمين، وعندما كان السلطان والأمراء تنتابهم حالة من ضعف سلطاتهم ونفوذهم وتتفشى الأمراض والطواعين يقومون بهدم هذه المنطقة كما فعل الأمير الحاج آل ملك الجوكندار  نائب السلطنة بديار مصر بهدمها فى سنة 744 هـ= 1343 م. وقد ابتدئ بالحبس بها سنة 438 هـ= 1046 م. فى زمن الدولة الفاطمية عندما كانت خزانة للسلاح والأعلام، واستمرت سجناً فى العهد الأيوبى، ثم المملوكى، وقد اعتقل فيها سنقرالأقرع  سنة 663 هـ= 1264 م، واعتقل فيها الملك الأشرف بن صاحب ميافارقين شهاب الدين غازى وسمر مع مجموعة من المحبوسين فى الخزانة لأنهم اتفقوا على خطة للهروب من السجن فى سنة 665 هـ= 1266 م ، كما  سمر الأمير أقوش القفجاقى الذى ادعى النبوة. وكان بصحبتهم فى خزانة البنود، وتوفى فيها الأمير أبو الفتح فتح الدين بن الملك الفائزسابق الدين بن الملك العادل الأيوبى سنة 671 هـ= 1273 م، وفى سنة 692 هـ   1293 م. وبعد مقتل السلطان الأشرف خليل بن قلاون قُبِض على مجموعة من الأمراء واعتقلوا فيها أياماً ثم قطعت أيديهم وأرجلهم وصلبوا على الجمال وطِيف بهم وأيديهم معلقة فى أعناقهم.


دار المظفر: استخدمها السلطان صلاح الدين الأيوبى لحبس الأمراء الفاطميين بعد وفاة العاضد آخر ملوك الفاطميين، وتحويل الخطبة فى القاهرة للخليفة العباسي، فقد قبض على داود بن العاضد وإخوانه وأقاربه فى سنة 569 هـ= 1174 م، ونقلهم إلى دار المظفر من حارة برجوان، وأغلقت قصورهم، وفُرقت أملاكهم على خواص صلاح الدين وبيع بعضها، وأعطى القصر الكبير لأمرائه فسكنوا فيه، ثم نُقِلَ الأمراء المعتقلون إلى قلعة الجبل، وهم 63 نفراً، فى سنة 608 هـ= 1211 م، وقد مات منهم حتى سنة 624 هـ= 1227 م ثلاثة وعشرون معتقلا، وكان الذي يتولَّى وضع القيود فى أرجلهم والى القاهرة الأمير فخر الدين الطبنا أبو شعرة بن الدويك، وربما استخدمت هذه الدار لسجن آخرين، ومنهم الشيخ ابن الجباس الذى سجن بالقصر مع زميل له على دين.

قاعة سهم الدين: وكان مكانها فى شارع يسمى درب الأسوانى بالقاهرة، واعتقل فيها سنة 622هـ=1225 م. تاج الدين وعز الدين ابنى صفى الدين عبد الله بن على بن شكر وزير الملك الكامل الأيوبى، بناها أمير الجيوش بدر الجمالى، وكانت داراً عظيمة، فلما مات، سكنها أبو محمد جعفر المظفر ابن أميرالجيوش فعرف بدار المظفر، ولما مات المظفر اتخذت داره دار ضيافة إلى أن انقرضت الدولة، فأنزل بها صلاح الدين أولاد العاضد.

خزانة شمائل: كانت بجوار باب زويلة على يسار من دخل منه بجوار السور، وعرفت أيضاً باسم سجن متولى القاهرة” ، وسجن أرباب الجرائم،  وتنسب إلى الأمير علم الدين شمائل الذى كان والى القاهرة فى زمن الملك الكامل بن العادل الأيوبى، الذى أنشأها فى حدود سنة615 هـ= 1218 م، وبقيت سجناً حتى هدمها السلطان المؤيد شيخ سنة 818 هـ= 1416 م، وبنى مكانها مدرسة ومسجداً أسماه مسجد المؤيد، وذلك بسبب أنه سجن فيها فى دولة الناصر1412 م، وقاسى بها شدائد عظيمة من البق، فنذر فى نفسه إن خلص من هذه الشدة، وصار سلطاناً أن يهدم هذا السجن ويبنى مكانه جامعاً، فلما تولَّى السلطنة هدمه وبنى هذا الجامع والمدرسة، وتم البناء فى سنة822 هـ= 1419 م. وكانت من أشنع السجون وأقبحها منظراً، يحبس فيها من وجب عليه القطع أو القتل من اللصوص وقُطَّاع الطرق والمماليك الذين غضب عليهم السلطان، ويظهر أنه كان يدفن فيها من قُتل أو مات فى السجن، فعندما هدمت ونقض أساسها وجد تحتها عدد كبير من جثث القتلى ورؤوسهم. وقد قام ولاة القاهرة أكثر من مرة فى العهد المملوكى بإرهاب الناس عند حدوث فتنة فى القاهرة عن طريق إخراج المساجين من خزانة شمائل وإعدامهم وإيهام الناس أنهم من الثوار حتى تسكن الفتنة، ففى سنة 779 هـ= 1377 م. حدثت فتنة فى القاهرة فأمر والى القاهرة حسين بن الكورانى بقتل جماعة لإرهاب العامة، فأخرج عدة من خزانة شمائل قد وجب عليهم القتل ونحرهم، ونادى عليهم “هذا جزاء من يكثر فضوله، ويتكلم فيما لا يعنيه” ثم و سطَهم تحت القلعة. وفى سنة 802 هـ= 1400 م. كَثُر النهب داخل القاهرة فعمد أحمد بن الزين والى القاهرة إلى جماعة من المحبوسين فى خزانة شمائل فقطع أيدى بعضهم، وضرب بعضهم بالمقارع، وأشهرهم، ونادى عليهم “هذا جزاء من ينهب بيوت الناس”. كما استخدم مساجينها رهائن لدى الفرنجة، وذلك عندما وصل رسل ملك قبرص إلى إسكندريه يطلبون تجديد الهدنة فى سنة 764 هـ= 1363 م، وطلبوا رهائن عندهم حتى ينزلوا من مراكبهم ويسلموا رسالتهم للسلطان، فلم تؤمن مكيدتهم، فأخرج من سجن شمائل مجموعة من المساجين مِمن وجب عليهم القتل، وغُسلوا بالحمام، وألبسوا ثياباً جميلة، وسفِّروا إلى إسكندرية، فاستقبلهم نائب إسكندريه وأشاع أنهم من الرؤساء وبعث بهم إلى الفرنجة، وأرسل خلفهم نساء وصبياناً يبكون كأنهم عيالهم، حتى تنطلى الحيلة على الفرنجة. وقد شهدت أحداث قتل وإعدام وكذلك وفاة سجناء داخل جدرانها ونذكر بعض الأمثلة:

ففى سنة 731 هـ= 1330 م: اعتقل فيها رجل يدعى يوسف الكيماوى بتهمة الاحتيال،وعوقب بالضرب، فمات فيها، ثم سمر وهو ميت وطِيف به القاهرة على جمل. وفى سنة 782 ه/ 1380 م: اعتقل فيها صلاح الدين بن عرام نائب إسكندريه، وأمرالسلطان برقوق بتسميره، فسلم لوالى القاهرة حسين بن الكورانى فضرب بالمقارع وعذب ثم قتل، ثم عادت الكرة على ابن الكورانى نفسه فى سنة 793 هـ= 1391 م. فقُتل فيها خنقاً فكان الجزاء من جنس العمل. وفى نفس السنة ضرب القاضى شهاب الدين أحمد بن عمر القرشى قاضى قضاة دمشق بخزانة شمائل حتى مات تحت العقوبة، وكذلك القاضى ابن الشهيد كاتب سر دمشق. وفى نفس السنة أخرج سائر المسجونين منها إلى الريدانية وعرضوا على السلطان برقوق فى حادثة عجيبة، فأمر بثلاثة منهم فأغرقوا فى النيل، و سمر منهم سبعة، ثم قتل من بقى منهم فى السجن. وفى سنة 799 هـ= 1397 م: سجن محمد الأستادار فيها حتى مات من التعذيب، وقيل قتل خنقاً.

حبس المعونة بالقاهرة: وكان موقعه بالقاهرة بجوار الصاغة القديمة، مقابل عقبة الصباغين، وسوق القشاشين أو “الخراطين”، وبجواره  دكة الحسبة، ودار العيار، ومكسر الحطب بجوار سوق القصارين والفحامين. والمعونة هى الشرطة، حيث تسمى فى بغداد وفى مصر الفاطمية باسم الشحنة أو المعونة، وكانت مكان هذا السجن مقراً لصاحب الشرطة. وابتدئ ببنائه سنة 517 هـ= 1122 بأمر الخليفة الفاطمى المأمون، ولم يزل هذا الموضع سجناً طوال مدة الدولة الفاطمية والأيوبية والمملوكية حتى زمن الملك المنصور قلاون الذى هدمه، وبنى مكانه قيسارية العنبر فى سنة 680 هـ=1281 م. وكان شنيع المنظر، يشم من يمر بجواره رائحة كريهة، وكان المنصور قلاون يمر بجواره فى طريقه من بيته إلى قلعة الجبل فى زمن دولة الظاهر بيبرس  658هـ=1277 م. فحسن له إن جعل الله له من الأمر شيئاً أن يبنى مكان هذا الحبس سوقا ، فلما تولَّى السلطنة هدم حبس المعونة وبنى سوقاً لبائعى العنبر. وقد كان فى زمن الدولة الفاطمية حبس آخر يسمى “المعونة”، ولكن موقعه كان فى مصر عتيقه إلى الجنوب من جامع عمرو بن العاص، وبدأ الحبس فيه فى سنة 381 هـ= 990 م. وكان يسجن فيه أرباب الجرائم من اللصوص وقُطَّاع الطرق، وكان حبساً ضيقاً شنيعاً يشم من قربه رائحة كريهة.  وبقى كذلك حتى عهد صلاح الدين الأيوبى الذي جعله مدرسة تعرف بالمدرسة الشريفية سنة 566 هـ= 1170 م.

حبس الصيار: وقد اتخذه ولاة مصر فى العهد الأيوبى بعد هدم سجن المعونة بمصر عتيقه سنة566 هـ= 1170 م، وسبب تسميته أنه كان بأول الزقاق الذى فيه الحبس حانوت لشخص يقال له منصور الطويل ويلقب بالصيار، لأنه كان يبيع الصير المعروف بالملوحة.

سجن المقشرة: كان يقع بين باب الفتوح والجامع الحاكمى، وكان يتكون من برج من أبراج سور القاهرة وبجواره مقشرة كان يقشر فيها القمح، فلما هدمت خزانة شمائل، أمر طوغان نائب الغيبة بأمر السلطان بتحويل البرج والمقشرة إلى سجن لأرباب الجرائم، وسمى بسجن المقشرة وذلك فى شهر ربيع الأول سنة 828 هـ= 1425 م، وهو من أشنع السجون وأضيقها، يقاسى فيه المسجونون من الغم والكرب ما لا يوصف. وكان من سوء سمعته يستخدم لحبس من أرادوا إهانته واحتقاره من الأمراء والأعيان فيوصم من يسجن فيه بلقب “مقشراوى”، فيحدثنا ابن تغرى بردى بحادثة حبس القاضى ولى الدين السفطى سنة 852 هـ= 1448 م. فى سجن المقشرة مع أرباب الجرائم لإهانته  “ومن لطيف ما وقع للسفطى، أنه لما حبس بسجن المقشرة، دخل إليه بعض الناس، ليسأله مسألة، وخاطبه الرجل المذكور بيا مولانا قاضى القضاة، فصاح السفطى بأعلى صوته: تقول لى قاضى القضاة! أما تقول: يا لص يا حرامى يامقشراوى. ويقول ابن تغرى بردى متهكماً على هذه الحادثة: “سألنى بعض الأعيان فيما بيني وبينه إذ ذاك: أسمعتم أن قاضي القضاة نُفِى إلى طرسوس، فقلت:ما نعلم إلا أنهم يحبسون بالمقشرة مع أرباب الجرائم، وعنيت السفطى بذلك، فضحك الحاضرون” واعتقل فيها عدد من القضاة والأمراء وذلك زيادة فى احتقارهم وتعذيبهم: ففى سنة848 هـ= 1444 م اعتُقل فيها أحد الأعيان من النواب الشافعية وهو المحب أبو البركات الهيتمى فضرب ضرباً مبرحاً وتسلمه الوالى وأعوانه وساروا به نحو سجن المقشرة وهو مكشوف الرأس.

وفى سنة 854 هـ= 1450 م. اعتقل فيها عبد قاسم الكاشف، وسعدان بن قاسم بسبب اعتقاد الناس فيه بالصلاح وتبركهم به، ومجموعة من مماليك الأمير تنم بن عبد الرازق، المؤيدى وعددهم عشرة، وقوام الدين حسين العجمى الحنفى بتهمة ضرب الزغل (تزييف النقود). ومحمود بن عبيد الله الأردبيلي أحد نواب الحنفية والشهاب أحمد بن العريف وجماعة آخرون بسبب قضية شهادة على وقفية بيت، وفى سنة 855 هـ= 1451 م. حبس فيها أمراء عربان الشرقية بيبرس بن بقر وابن شعبان. وفى سنة 856 هـ= 1452 م. حبس قاضى قضاة الشافعية بطرابلس تقى الدين بن عبد الرحمن بن حجى بن عز الدين بتهمة تزوير المحاضر، وعبد الرحمن بن الدبرى وهو من سكان القدس وقد اعتقل بتهمة إحداث فتنة فى القدس.

واستخدمت الخزانة أحياناً لحبس الأسرى، فقد حبس فيها الفرنج الذين أُسروا من جزيرة رودس سنة 856 هـ=/ 1452 م. كما سجلت حالات وفاة وإعدام وقتل تحت التعذيب داخل الخزانة ومِمن مات أو قتل فيها سنة 866 هـ= 1462 م. ابن الزفيك معمار السلطان بعد ضربه بالعصى والمقارع. وفى نفس السنة توفى حمزة بن غيث بن نصير الدين، بعدما أُخرج من المقشرة وسلِخ وطِيف به على جمل، وحمل إلى بلاد الريف وطِيف به القُرى والبلاد، وذلك بتهمة الفسق والتعدى على الأموال والممتلكات والمجاهرة بالمحرمات وضرب الفضة الزغل.

وفى سنة 880 هـ= 1475 م. توفى أحد أئمة القصر ويدعى إسماعيل بعد أن نُسب إليه التعرض لسرقة جوارى الناس وبيعهن فى قرى الأرياف. وفى سنة 894 هـ= 1489 م. توفى محمد بن البدر الجوجرى من أثر الضرب والتعذيب.وفى سنة 895 هـ   1490 م توفى محمد شمس الدين البحيرى، أحد قراء قاعة الدهيشةبعد أن ضرب لجريمة ارتكبها. وفى سنة 911 هـ= 1505 م توفى شاب صوفى يدعى محمد بن سلامة الهمذانى بسبب تزوجه بامرأة خنثى ادعى البعض عليه أنها صبى وأنه يمارس معه اللواط، فضرب حتى الموت وأشهر وجرس على ثور وأرسل إلى خزانة شمايل ليحبس فمات فيها من أثر التعذيب.

سجن الديلم: كان موقعه بحارة الديلم غربي الجامع الأزهر، ومِمن حبس فيه: أحمد بن تيمية سنة 704 هـ= 1303 م، وشهاب الدين أحمد العبادى من فقهاء الحنفية سنة 797 هـ   ، وأبو الخير النحاس، والشهاب أحمد المدنى وضرب مائة سوط وجعل فى رقبته جنزير ثم وضع بسجن الديلم، والشمس الديسطى وأُفرج عنه سنة 854 هـ= 1450 م، وتوفى فيه حسن الدمياطي سنة 882 هـ= 1477 م.  وكان سجن الديلم يتبع لإدارة القضاة، فقد ذكر الألوسى أن ابن تيمية اعتقل فى “حبس القضاة بحارة الديلم”. وبقي سجن الديلم مأهولاً بالمساجين حتى نهاية دولة المماليك، حتى أن السلطان سليم لأول حينما أحتل مصر قبض على مجموعة من المماليك وأودعهم فيه.

حبس رحبة باب العيد: وكان يقع فى رحبة باب العيد، بالقرب من درب قراصيا، ودرب السلامى الذى يؤدى إلى باب العيد، وكان يجاوره حانوت يسمى حانوت الزفتاوى .وسمى برحبة باب العيد نسبة إلى هذا الرحبة التى كانت فى غاية الاتساع، وكان الجنود الخيالة والراجلة يصطفون يومى العيد من كل عام حيث يخرج عليهم الخليفة الفاطمى من باب العيد.

وكان هذا السجن يتبع لإدارة القضاة كما تتطرق كتب التاريخ إلى ذكر “سجن القضاة” أو “سجن الحكم” ففى سنة 690 هـ= 1291 م .أُفرج عن تقى الدين بن بنت الأعز من “سجن الحكم، وكذلك فى أحداث سنة 726 هـ= 1325 م. أمر قاضى القضاة الشافعى بحبس جماعة من أصحاب الشيخ ابن تيمية فى “حبس الحكم”. وفى سنة 802 هـ= 1400 م. كسر الزعر حبسى القضاة وأخرجوا من كان فيهما  ولم يذكر اسمى السجنين.

ويذكر المقريزى نوعين من السجون فى أحداث سنة 741 هـ= 1341 م.”: وأُفرج عن المسجونين بسجن القضاة والولاة بالقاهرة ومصر وسائر الأعمال” ونستنتج أن السجنين هما سجني الرحبة والديلم، من خلال ما ورد فى سنة784 هـ= 1382 م، رسم الأمير الكبير بإطلاق من فى سجنى الديلم والرحبة من المديونين، فأُفرج عنهم جميعهم، وأغلق باب السجنين، ومنع القضاة من سجن أحد على دين، وذلك لانتشار الغلاء وفقد الخبز من السوق. وقد بقى السجن معمولاً به حتى أواخر العصر المملوكى، فقد اعتقل فيه سنة895 هـ= 1490 م. رجلان أحدهما يدعى أحمد بن يوسف معلم المقشرة والآخر على المرجوشى بتهمة ضرب نقود الزغل.

سجن الجيزة: تقع مدينة الجيزة مقابل مصر القديمة، ويفصلهما النيل الذى يزداد عرضه فى هذه المنطقة، وهى مسورة من ناحية الغرب حيث توجد الأهرامات، وأطول امتداد لها يكون بمحاذاة النيل حيث يبلغ 1500 مترا. ولم ترد أية معلومات عن هذا السجن سوى أنه فى سنة 879 هـ= 1475 م هجم عرب غزالة على ضواحى الجيزة، ونهبوا خيول المماليك من الربيع حيث كانت ترعى، وقتلوا جماعة من الغلمان، وأطلقوا من كان فى السجن.

سجن الحجرة للنساء: وكان هذا الحبس مخصص للنساء، ففى سنة 724 هـ= 1324 م. رسم السلطان الناصر محمد بإبطال الملاهى بالديار المصرية وحبس جماعة من النساء الزوانى ، وذكر أنه فى سنة 740 هـ= 1340 م. تم مصادرة المغنيات بمبلغ يتراوح ما بين ألف درهم إلى ثلاثة آلاف درهم، وحبسن بسجن الحجرة أياماً حتى تاب بعضهن عن الغناء وتزوج بقيتهن. وفى سنة 813 هـ= 1411 م، بأمر من السلطان المؤيد شيخ كسرت أبواب السجون ومنها سجن الحجرة للنساء، وأطلق من فيها من المحابيس. وبقى سجن الحجرة معمولاً به حتى أواخر العهد المملوكى، ففى عصر السلطان الغورى  حدثت قضية زنى اعتقل بموجبها الزانى وحبست الزانية فى سجن الحجرة ثم أعدما .

سجون خارج القاهرة

سجن قوص: وهى مدينة كبيرة فى صعيد مصر، تقع على الساحل الشرقى من النيل، وتبعد مسافة 645 كم جنوب القاهرة، وقد اختيرت عاصمة للصعيد منذ عهد الدولة الفاطمية حتى نهاية دولة المماليك.  فهي عاصمة الوجه القبلى من أسوان حتى عيذاب على شاطئ البحر الأحمر. وقد استخدمت سجناً ومنفى للمعارضين، لحصانتها وبعدها عن القاهرة،  ولم يعثر على معلومات لهذا السجن فى العصر الأيوبى، ولكن فى العصر المملوكى اعتقل فيها سيف الدين بشتك الناصرى سنة 742 هـ= 1341 م. وفى السنة نفسها اعتقل فيها السلطان أبو بكر بن الناصر محمد بن قلاوون بعد خلعه وبقى  فى السجن حتى قُتل بعد خمسة أشهر من اعتقاله، واعتقل فيها الوزير ابن زنبور، وبقى فيها حتى وفاته سنة  755هـ=1354 م.

سجن الفيوم: الفيوم قال عنها ياقوت الحموى: “ولاية غربية بينها وبين الفسطاط أربعة أيام، بينهما مفازة لا ماء بها ولا مرعى مسيرة يومين وهى فى منخفض الأرض” استخدمه منطاش فى سنة 792 هـ=  1389م. لسجن الأمراء أتباع الظاهر برقوق، عندما وصله خبر خروج برقوق من سجن الكرك متوجهاً إلى القاهرة لاسترجاع ملكه من يد منطاش، وحينها أصدر منطاش أمراً لوالى الفيوم بقتل الأمراء المحبوسين فى سجن الفيوم، ثم بعد أيام أرسل والى الفيوم محضراً مفتعلاً إلى القاهرة فحواه: “أنه لما كان يوم الجمعة حادى عشرين جمادى الآخرة سقط على الأمراء المسجونين حائط سجنهم فماتوا جميعاً”. والأمراء المقتولين هم: تنكز العثمانى اليلبغاوى، وتمان تمر الأشرفى، وتمرباى الحسنى الأشرفى، وجمق الكمشبغاوى، وتمر الجركتمرى، وقطلوبغا الأحمدى اليلبغاوى، وعيسى التّركمانى، وقرابغا البو بكرى، وقرقماش الطّشتمرى، ويونس الإسعردى، ومِمن نُفِى إليها الخليفة العباسى المستكفى بالله الأول، فى عهد الملك الناصر محمد بن قلاون، وقد أجرى له الناصر محمد ما يتقوت به، وبقى فى قوص من سنة737 هـ= 1337 م. حتى وفاته سنة 740 هـ= 1340 م.، ونُفيِ إليها الملك المنصور بن قلاون بعد خلعه سنة 742 هـ= 1341 م. ثم تآمر الأمير قوصون مع عبد المؤمن متولى قوص على قتله، فقتله وحمل رأسه إلى قوصون سراً.

سجن أسوان: أسوان مدينة كبيرة وكورة فى آخر صعيد مصر وأول بلاد النوبة على النيل فى شرقيه، اتخذها المماليك سجناً ومنفى، ولكن فى حالات نادرة، فقد مات مخنوقاً فيها الصاحب الكبير كريم الدين عبد الكريم بن هبة الله القبطى المسلمانى سنة 724 هـ= 1324 م، وكان قد نُفِى إلى الشوبك، ثم إلى القدس، ثم إلى أسوان وفيها وجد مشنوقاً بعمامته.

سجون قلاع مصر

سجون قلعة مصر بجبل المقطم:

كانت قلعة الجبل فى العصر الأيوبى والمملوكى دار الملك ومركز السلطنة، وهى بناء عظيم مرتفع يحيط بها سور ضخم به عدة أبواب، وبداخل السور، توجد ديار وقصور عديدة وحمامات وأحواش، كما توجد مساكن (طباق) واسعة للمماليك السلطانية هى اثنتا عشر طبقة، كل طبقة منها تشتمل على عدة مساكن، بحيث تتسع كل طبقة لألف مملوك، وبالقلعة عدا ذلك دور الخواص الأمراء ونسائهم وأولادهم ومماليكهم ودواوينهم، فضلاً عن دار الوزارة التى اشتملت على دار الإنشاء وديوان الجيش وبيت المال وخزانة الخاص، واحتوت القلعة كذلك على الاصطبلات الشريفة التى بها الخيول السلطانية، وساحة الأغنام والطيور والحيوانات الغريبة، من زراف وفيلة وغزلان وأسود، يتخلل كل ذلك البساتين والأشجار والمياه الجارية التى ترفعها السواقى من النيل إلى مجرى العيون ثم إلى القلعة برغم ارتفاعها ما يقرب من خمسمائة ذراع، وكانت القلعة موضع عناية السلاطين دائماً، فأضافوا إليها إضافات كثيرة، وشيدوا بها عمائر جديدة من قصور ومساجد وأبراج وأحواش وقاعات وغيرها، مثل القصر الأبلق ومسجد القلعة وقد شيده الناصر محمد، وقاعة البيسرية التى أنشأها الناصر حسن. وقد اعتقل فيها المئات من الأمراء، ونذكر بعض الأمراء الذين قتلوا أو توفوا محبوسين فيها، ففى سنة 635 هـ= 1237 م. توفى فيها الملك الناصر قلج أرسلان بن الملك المنصور محمد بن عمر الأيوبى صاحب حماة، حبسه الملك الكامل.  وفى سنة 648 هـ= 1250 م شُنق فيها ناصر الدين بن يغمور استادار الملك الصالح إسماعيل، وأمين الدولة أبى الحسن غزال وزيره، بعد أن اعتقلهما الصالح أيوب فى دمشق ثم أرسلهما للاعتقال بقلعة القاهرة مدة خمس سنوات. وفى سنة 840 هـ= 1436 م. مات مسجوناً فيها الأمير حمزة بك بن على بك بن ناصر الدين ابن دلغادر. وفى سنة 916 هـ= 1510 م. توفى مسجوناً فيها القاضى بدر الدين حسن بن زين الدين بن أبى بكر بن مزهر كاتب أسرار القاهرة بعد تعذيب شديد. واحتوت القلعة على عدد من السجون، فقد استخدمت أغلب الأبراج بغرض الاعتقال، فقد قال المقريزى عند ذكره القلعة:”وبها عدة أبراج يحبس بها الأمراء والمماليك” ونذكر منها:

البرج الجوانى: فقد ورد فى أحداث سنة 693 هـ= 1294 م. أن الأمراء التابعين للناصر محمد قبضوا على الشجاعى وأخرجوه إلى مكان ليسجن فيه فتوجه به أحد الأمراء إلى البرج الجوانى، ثم قتله فى الطريق، وأرسل رأسه إلى الناصر محمد، الذى كان خارج أسوار القلعة.

برج باب السلسلة: عرف مِمن سجن فيه الأمير اسكندر بن النحال سنة 895 هـ= 1490 م. الأمير الكبير ممتاز، سجنه مماليك السلطان قانصوه حينما أراد تولية السلطنة لابن السلطان محمد بن قانصوه سنة 901 هـ= 1496 م.

برج العافية: وفيه قُتل الملك العادل أبو بكر بن الكامل خنقاً فى سنة 645 هـ   1247 م. بأمرٍ من أخيه الملك الصالح أيوب .

برج باب القرافة: وكان مخصصاً لاعتقال من تمت عليه المصادرة وطُولب بأموال للسلطان، اعتُقل فيه كريم الدين أكْرم الصغِير بعد قدومه على خيل البريد من صفد إِلَى قلعه الجبل وذلك سنة723 هـ= 1323 م، ومكث فى السجن 18 يوماً.

برج الزاوية: وهو مجاور لباب القلعة، قام بإنشائه السلطان الظاهر بيبرس سنة 658 هـ= 1260 م. وفيه قام السلطان المؤيد شيخ باعتقال الخليفة المستعين بالله سنة 819 هـ= 1417 م.

برج السباع: اعتُقل فيه الأمراء طوغان نائب البيرة وعلم الدين سنجر البروانى وبيبرس المجنون وفخر الدين أباز نائب قلعة الروم والحاج بيليك وسيف الدين طاجا والشيخ على مملوك سلار، وتم التشديد عليهم ومنع حريمهم من الإقامة عندهم، وذلك سنة 718 هـ= 1318 م.  واعتقل فيه الأمير دمرداش سنة 728 هـ= 1327 م. واعتُقل فيه الخليفة المستكفى بالله العباسي فى زمن السلطان الناصر محمد سنة 736 هـ= 1336 م. ورسم على الباب جاندار بالنّوبة، واعتقل ابن عمه إبراهيم فى برج بجواره، ورسم عليه جاندار آخر ومنعا عن الاجتماع بالناس.

برج الحية: اعتُقل فيه الخليفة العباسى المتوكل على الله فى زمن الملك الظاهر برقوق، سنة 785 هـ= 1383 م، ومكث فيه نحو 6 سنين، ثم أخرج سنة 791 هـ= 1389 م.

خزانة الخاص: فى سنة 791 هـ= 1389 م. قام منطاش بإخلاء خزانة الخاص بالقلعة، وسدت شبابيكها وبابها وفتح من سقفها طاقة وعملت سجناً مثل الجب وسجن فيها المماليك الظاهرية أتباع الظاهر برقوق  وكانوا حوالى 500 معتقل.

سجن العرقانة بالقلعة: ويقع داخل الحوش السلطانى فى القلعة، وبدأ العمل بهذا السجن قبل عام  895هـ= 1490 م. فى زمن السلطان قايتباى، وأنشأه الطواشى سرور شاد الحوش السلطانى، وكان يحبس فيه أصحاب الجرائم، وقد وصفه جاستون فييت نقلاً عن الرحالة الأوروبيين الذين زاروا القلعة بأن هناك سجناً لا يقل سوءاً عن سجن الجب الذى كان بالقلعة وهو سجن العرقانة أى بركة الوحل، وكان يستخدم للمسجونين السياسيين أو التجار الذين خالفوا القانون، بعض هؤلاء المسجونين وضعوا فى الحديد، وتركوا هناك سنين طويلة، وبطبيعة الحال كان الهروب ممكناً، ولكن تحت خطر كبير”

ونذكر بعض من سجن فيه:

سنة 895 هـ= 1490 م. اعتقل فيها شخص يدعى عبد القادر بن النقيب، وفى سنة 908 هـ= 1503 م. قبض السلطان على محمد بن يوسف ناظر الأوقاف وسجنه بالعرقانة بسبب مال قد انكسر عليه ولم يقم به. وفى سنة 909 هـ= 1503 م. رسم بحبس أحد المماليك يسمى عنبر، وفى سنة 915 هـ= 1509 م. قبض السلطان على الشهابى أحمد بن الجيعان وقرر عليه خمسة آلاف دينار، وفيه أفرج السلطان عن شرف الدين يونس النابلسى الأستادار، وقرر عليه عشرة آلاف دينار، وكان قد قاسى شدائد ومحناً، وأقام فى السجن بالعرقانة نحواً من عشرة أشهر وهو فى زنجير وقيد مخشب اليدين.

الزردخانة: وهي فى الأصل الزراد خانه وتعنى مصنع ومخزن السلاح، واستخدمت بعد ذلك سجناً، وهي أرفع قدراً فى الاعتقالات من السجن المطلق، ولا تطول مدة المعتقل بها، فإما يخلى سبيله أو يقتل.

واعتقل فيها القاضي سعد الدين بن غراب وأخاه فخر الدين سنة 805 هـ= 1403 م.

سجون أبراج إسكندريه

ثغر إسكندريه كان مليئاً بالأبراج القوية التى بنيت لصد هجمات الصليبيين من البحر، وكانت تستخدم فى أوقات السلم سجوناً للأمراء المغضوب عليهم، فكانت بمثابة سجناً ومنفى للأمراء الذين يخشى السلطان على ملكه منهم، كما كانت تجرى فيها عمليات الإعدام بأمر السلطان.

وقد كانت أبراج إسكندريه تتنوع بين أبراج مظلمة يتعرض فيها المعتقل لضيق شديد، وبين أبراج متسعة فسيحة، والدليل على ذلك أنه اعتقل أحد التجار ويدعى بدر الدين حسن السكندرى فى سنة 843 هـ= 1439 م. فى هيئة شنيعة فحبس بالبرج وحوسب إلى أن استقر عليه شىء يسير وأطلق، كما تذكر لنا كتب التاريخ أنه تقرر على أحد التجار مبلغ من المال للسلطان، “وأمر بحبسه فى البرج، فحبس فى برج مظلم وضيق عليه، فأقام إلى أن قلب الله قلبه، وأمر بإخراجه منه، وتسلمه نائب القلعة، فأنزله فى غرفة علية، وهى أعلى بناء فى القلعة، فأقام بها أكثر من شهر إلى أن أُفرج عنه”  ومن المرجح أن عمليات الاعتقال فى إسكندريه كانت تتم فى الأبراج التالية:

برج شرقى: ذكر ابن حجر أن تقى الدين أحمد بن تيمية عندما اعتقله المماليك بإسكندريه فى صفر سنة 709 هـ= 1310 م،  “نزل فى برج شرقى، وكان موضعه فسيحاً، فأصبح الناس يدخلون إليه ويقرؤون عليه، ويبحثون معه دون أن يمنعهم أحد”  وأورد ابن كثير أن ابن تيمية أقام بإسكندريه فى “برج واسع فسيح متسع الأكناف نظيف له شباكان أحدهما يطل ناحية البحر، والآخر جهة المدينة” ومن المحتمل أن يكون هذا البرج المذكور قريباً من باب شرقى، ولعله أحد البرجين الكبيرين المتبقيان حالياً فى الشلالات فى المنطقة الواقعة شمالي موضع باب رشيد أو باب شرقى، وهما برجان يشرف المرء منهما على البحر من جهة وعلى المدينة من جهة ثانية.

برج ضرغام: هذا البرج من بناء الأمير أبى الأشبال ضرغام بن سوار اللخمى، أنشأه بالقرب من باب البحر فى سنة 577 هـ= 1181 م. وذكر النويرى أنه كان يتقدم سور إسكندريه الشمالى ابتداء من ساحل بحر السلسلة والباب الأخضر غرباً إلى قلعة ضرغام شرقاً خندق قديم، ومعنى ذلك أن برج ضرغام كان يقع فى السور الممتد ما بين باب البحر والباب الأخضر. وقد تعرض برج ضرغام لاعتداء القبارصة فى غزوتهم التي حدثت فى سنة 767 هـ= 1365 م. فأحرقوه ولكن الأمير ابن عرام أصلحه فى حدود سنة 774 ه.= 1373 م.

برج باب الزهرى: وهو برج ضخم نصف دائرى ما زال قائماً بجوار باب الزهرى أول أبواب السور القبلى من جهة الشرق، تتخلل جدرانه منافذ للسهام، وتعلوه من الداخل قبوات متداخلة.



برج السلسلة: هى المنار التى ذكر ابن بطوطة أن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاون شرع فى بنائه بإزاء منار إسكندريه القديم المتخرب، فعاقه الموت عن تمامه، ثم أكمله الأشرف شعبان على شكل برج اسطوانى الشكل قام ببنائه صلاح الدين بن عرام، على الأساس الذى أسسه السلطان الناصر محمد، وكان يرى من بعيد كأنه مسجد، وقد تعرض البرج المذكور فترة الأحتلال العصر العثمانى لأضرار جسيمة ثم تهدم فى الثلث الأول من القرن العشرين.

برج يشبك الدوادار: اكتشف أطلاله سنة 1958 م، وكان يستخدم سجناً للأمراء والسلاطين المعزولين، فيه اعتقل الظاهر قانصوه سنة 905 هـ= 1500 م. بعد خلعه من السلطنة، وكان مصيره مجهولاً حتى عام 906 هـ= 1501 م .حيث اكتشف الناس أنه ما زال حياً، ويذكر ابن طولون: ” بلغنى أن الظاهر قانصوه خال الناصر حى باق وهو مقيم ببرج يشبك الدوادار بإسكندريه”.

سجن قلعة السلسلة بدمياط: كان سجن دمياط معمولاً به منذ عهد الدولة الفاطمية، فقد اعتقل فيه ابن أبى كدينة سنة 466 هـ= 1075 م، ثم أمر الوزير بدر الجمالى بقتله فى السجن.  وكانت دمياط مخصصة لنفى وسجن الأمراء، فقد اعتقل فيها مجموعة من الأمراء سنة 742 هـ= 1341 م. منهم آقسنقر الناصرى وبرسبغا الحاجب وتلجك ابن أخت قوصون، ومماليك قوصون وكانوا مقيدين مزنجرين. واعتقل فيها الأمير تغرى بردى المحمودى حتى سنة  838 هـ= 1435 م.، وفى سنة 840 هـ= 1436 م. كان معتقلاً فيه الأمير جرباش قاشق.  وتوفى فيها الأمير سودون بن عبد الرحمن فى نفس العام، وتوفى فيها أيضاً أمير مكة على بن حسن بن عجلان سنة 853 هـ= 1449 م. وكان سجنها أخف وطأة وأفضل حالاً من سجن إسكندريه، فكان السلطان إذا أراد أن يخفف من سجن أحد الأمراء المسجونين فى إسكندريه ينقله إلى دمياط، ففى سنة 828 هـ= 1425 م. شفع فى طرباى بأن يطلق من سجن إسكندريه إلى دمياط فأجيب إلى ذلك. وفى حالة خوف السلطان من هروب الأمراء المسجونين أو المنفيين من دمياط، وإعلانهم العصيان والتمرد كان يأمر بالتضييق عليهم ونقلهم إلى سجن إسكندريه، ففى سنة 802 هـ= 1400 م. وأثناء تجهز السلطان لحرب تنم القادم من دمشق أمر السلطان الأمير سودون المأمورى الحاجب بالتوجه إلى دمياط لينقل منها الأمير يلبغا الأحمدى المجنون الأستادار، والأمير تمربغا المنجكى، وطغنجى، وبلاط السعدى، وقراكسك إلى سجن إسكندريه، ولكنهم تمكنوا من الهرب فى الطريق. وقد اتخذت دمياط منفى للأمراء ففى سنة 815 هـ= 1412 م.، أُفرج عن كمشبغا الفيسى من سجن إسكندريه، ونُفِى إلى دمياط، وفى سنة 825 هـ= 1422 م. أُفرج عن الخليفة العباسى المستعين بالله الذى ولى السلطنة وكان المؤيد سجنه بإسكندريه فنقله إلى دمياط، لكونها أبسط له، فلم يوافق واستأذن أن يقيم بإسكندريه بغير سجن، فأجيب إلى ذلك. وفى سنة 828 هـ= 1425 م. أُفرج عن الأمير بيبغا المظفرى ونقل من سجن إسكندريه إلى دمياط وجهز إليه فرس ليركبه هناك، وفى سنة 842 هـ= 1438 م. رسم السلطان الظاهر جقمق بالإفراج عن الأمير خشقدم الطواشي اليشبكى، ونائبه فيروز الركنى من سجن إسكندريه، ورسم لهم بالتوجه إلى دمياط مقابل خمسة عشر ألف دينار. وفى سنة، 780 هـ= 1378 م. أطلق طشتمر من سجن إسكندريه ونقل إلى دمياط فأقام بها بطالاً. ونُفِى إليها يلبغا الأستادار سنة 800 هـ= 1398 م. وإينال باى بن قجماس.



سجون الجباب

كانت سجون الجباب من أشنع السجون الموجودة فى ذلك الوقت، وقد كانت مستخدمة فى عدد من الدول، فقد استخدمها العباسيون، وحبسوا بعض المعتقلين فى بئر فى سجن المطبق.  واستخدمها الفرنجة لحبس الأسرى المسلمين كما ذكر الأمير أسامة بن منقذ فى قصة ابن والى الطور الذى أسره الصليبيون وحبسوه فى جب فى بيت جبريل وبقى فى سجنه حتى قام أحد البدو بحفر نفق إلى الجب وأنقذه من الأَسر، وكذلك استخدمه السلاجقة، فبعد انتصار الأمير بلك بن أرتق على الصليبيين فى سنة 517 هـ= 1122 م. أسر ملك بيت المقدس بلدوين الثانى والأمير جوسلين ووضعهم فى جب بقلعة خرتبرت. ومن الأسماء الأخرى التى أطلقت على الجب اسم “المطمورة”، وهى حفرة فى الأرض تُضيق فتحتها، وتوسع من القاع. وقد كان المساجين يدلَّون إلى الجب من فتحة أعلاه ثم يغلق عليهم، وكان الطعام والماء يدلى إليهم من طاقة فى سقف الجب، فكانوا يمكثون فى الظلام الدامس، والروائح الكريهة، والشدائد العظيمة، ولنا أن نتصور أن يوضع إنسان فى بئر لمدة طويلة لا يرى فيها الشمس ولا يتجدد عليه الهواء، ويضطر أن يأكل ويبول ويتبرز فى نفس المكان، فمن المؤكد أن المكان سيتحول إلى مرتع للديدان والأمراض والحشرات والقوارض. وقد ذكرت بعض المصادر عن وجود الوطاويط فى هذه الجباب، كما ذكر المقريزى عن جب قلعة القاهرة. أما عن الأوضاع النفسية للمعتقلين فى هذه الجباب، فإنه يصل بهم اليأس إلى درجة تمنى الموت، فقد وصف الأمير حسام الدين الهذبانى وضعه النفسى عندما كان محبوساً فى الجب قائلاً: “لما كنت فى الجب بقلعة بعلبك لا أفرق بين الليل والنهار، حدثتنى نفسى وأنا فى تلك الحال التى تشعر باليأس من الحياة بالكلية أننى أخرج من الحبس …”  وقد استخدم الأيوبيون والمماليك الجباب لسجن المعارضين السياسيين، وقد وصلتنا أسماء وأوصاف عدد من هذه الجباب ومنها:

جب قلعة الجبل بالقاهرة: كان هذا الجب مخصصاً لسجن الأمراء المعارضين للسلطان، وبدأ العمل بهذا الجب فى سنة 681 هـ= 1282 م. فى عهد السلطان المنصور قلاون، وبقى إلى أن أمر السلطان الناصر محمد بن قلاون بردمه فى سنة 729 هـ= 1328 م.  وكان مصير المسجونين فى الجب يؤول أحياناً إلى القتل أو الموت فمثلاً فى سنة 617 ه/ 1220 م أمر السلطان الكامل الأيوبى بحبس الملك الناصر بن المنصور صاحب حماة فى الجب وتوفى فيه على أسوأ حال، وفى سنة 643 هـ= 1245 م. أمر الملك الصالح أيوب بشنق ابن يغمور وزير الصالح إسماعيل، وفى سنة692  هـ= 1293 م. خنق الأمراء سنقر الأشقر، وجرمك، والهاروني، وبكتوت، وبيبرس، وطقصوا، وفى سنة 698 هـ= 1299 م. قتل الأمير منكوتمر على باب الجب، وفى نفس السنة توفى الأمير بدر بيسرى الشمسى الصالحى وهو محبوس بالجب، وكان شيخاً كبيراً. وفى سنة 791هـ= 1389 م. خنق ستة من المماليك المحبوسين فى جب القلعة، والذين تمردوا فى منطقة قوص، وفى سنة 719 هـ= 1319 م. توفى الأميران سيف الدين منكوتمر الطباخى، وسيف الدين أركتمر وفى سنة 816 هـ= 1414 م. قتل الأمير تغرى بردى الملقب بسيدى الصغير.

ليست هناك تعليقات: