و الذي يجب التنبيه اليه هو ان الدين لم يأت ببيان امثل الأوجه للتعامل مع
الآخر وانما جاء بأوجه التعامل المحتملة مع الآخر بدليل تكليف المجتهدين بالبحث
عنها من النصوص و دلالاتها ثم كشفها لعموم الناس وعدم كتمانها فقد اخرج احمد بإسناد
صحيح عن ابي هريرة ان الرسول صلي الله عليه وسلم قال "من سُئل عن علم فكتمه
الجمه الله بلجام من نار يوم القيامة " وعلي الانسان ان يختار منها الامثل
بحسب المناسب من الاوضاع و الاحوال حتي يعمل الانسان عقله ويمارس المسؤليه بنفسه و
لا يقول انما فعلت هذا الوجه بأمر الدين وانما يقول فعلته لأني رأيته الانسب و
الافضل اما الدين فقد كلفني بالاختيار من الاوجه المحتملة بحسب طاقتي واستطاعتي بل
ومنعني إن اخترت وجها فقهيا محتملا ان ازعم بأنه حكم الله و اوجب علي ان اعلن بأنه
اختيار شخصي كما في حديث مسلم عن بريدة أن النبي قال " وإذا حاصرت اهل حصن
فأرادوك ان تنزلهم علي حكم الله فلا تنزلهم علي حكم الله و لكن انزلهم علي حكمك
انت فإنك لا تدري اتصيب حكم الله فيهم ام لا " وقال تعالي "
إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ
الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا
تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا" النساء 105
و من المناسب لمقاصد الشريعة الاسلامية من جملة احكامها ان نقرر بأن اوجه
التعامل مع الاخر فيها لاترجع الي صفة الدين الا فيما تقضيه طبيعة العلاقة مثل
امامة الصلاة و الانابة في مناسك الحج و العمرة اما اصل التعامل مع الآخر فيرجع
الي معايير انسانية من التجارة و
الاستثمار و الاعمار و التداوي و دفع المعتدية او الظالم او الصائل و نحو ذلك مما
لا يفرق فيه الاسلام بين ذكر و انثي او بين مسلم و بين غير مسلم وما ورد من اقوال فقهية تجعل صفة الدين معيارا
للتعامل بين الناس في غير مسائل العبادات إنما هي رؤية فقهية غير معصومة تقوم علي
تحميل النص علي احد اوجهه و لا تمنع من ثقة الاخرين في انفسهم ان رأوا اوجها اخري تجعبل معايير
التعامل مع الاخر _ في الجملة _ انسانية لأن التجارة لا تتفاوت من كونها
مع مسلم او مع غيره و الظلم لا يختلف ان يكون من مسلم او من غيره .
الاسلام و انسانية الدولة


