14 يونيو 2013

حاكمية الله

قد يبدو التعارض بين قاعدة "الحاكمية لله" و بين وظيفة الدولة المعاصرة في تحقيق التأمين الخارجي و الأمن الداخلي و تمكين شعبها من ممارسة و ظائفه الدينية و الإعمارية و غالبا ما تصدر في سبيل ذلك قوانين منظمة يلتزم الجميع بها و لكن بتحقيق تلك القاعدة فقهيا يسقط هذا التعارض و لذلك لم يتعامل الفقهاء المسلمون علي اختلاف مذاهبهم في الجملة بمصطلح الحاكمية لله او انه لا حكم الا لله و ذلك في حراكهم الفقهي لأنهم يدركون جيدا الجانب الانساني في الاحكام الشرعية فإذا كان النص راجعا الي الوحي إلا ان فهم النص الذي يترتب عليه الامتثال يرجع الي الفقيه ببشريته هذا بالاضافة الي ان الاحكام المتعلقة بالمستحدثات و هي الاكثر عددا يرجع الحكم عليها بطرق الاجتهاد الانسانية كما ان مسائل الاجماع ليست احكاما دينية و إنما هي اتفاقات إنسانية علي اختيار وجه فقهي دون وجه وليس معني ذلك ان قاعدة " الحاكمية لله " تقبل الاستثناء او يدخلها شك و إنما تقوم هذه القاعدة علي رفع وصاية البشر بعضهم علي بعض فليس من حق انسان و لو حاكما او فقيها ان يلزم انسانا بغير التزام منه سواء كان هذا الالتزام في صورة عقد شخصي او في صورة عقد اجتماعي لأن الحاكمية لله اما الحاكم فقد نصبته الرعية لاقامة العدل فيهم فصاروا ملتزمين بعقد البيعة هذا علي انفاذ العدل عليهم فإن طلب الحاكم من احد الرعية شيئا خارجا عن نطاق الولاية او البيعة لم يكن له سمعا و طاعة لما اخرجه مسلم عن علي ان النبي صلي الله عليه و سلم قال " انما الطاعة في المعروف " و أما الفقيه فهو مبين وناصح و لا يملك إلزام المستفتي بفتواه الا ان يلتزم بها اختيارا لما اخرجه احمد بإسناد حسن أن النبي صلي الله عليه و سلم قال لوابصة بن معبد " استفت قلبك و إن افتاك الناس و افتوك " و ثم معني اخر في "حاكمية الله" و هي اقامة العدل الذي جعله الله اساسا للحكم في قوله تعالي " وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ"النساء 58 اما تفسير "حاكمية الله" بقيام الحاكم و حاشيته بحمل الناس علي التكاليف الشرعية فهو مناقض لصدق تلك الحاكمية فعلي اي وجه فقهي يكون هذا الالزام و من الذي اذن به مع تظاهر نصوص الكتاب و السنة علي تكريم الانسان بتخييره بأي وجه فقهي منها و من سيقوم بحمل الحاكم و حاشيته علي التكاليف الشرعية ام انه و حاشيته فوق حاكميه الله ؟

                                                    
                                                   الاسلام و انسانية الدولة
                                                    د. سعد الدين هلالي








ليست هناك تعليقات: