كان التحدي الاكبر امام مدرسة شيكاغو و اتباعها في الادارة الامريكية يتمثل في محو الفكر التنموي بجذوره القوية في امريكا اللاتينية و لتحقيق هذا الهدف عقد اجتماع في سنتياجو دي تشيلي عام 1953 بين البيون باترسون مدير الادارة الامريكية للتعاون الدولي التي عرفت لاحقا بالوكالة الامريكية للتنمية الدولية USAID و ثيودور شولتز رئيس قسم الاقتصاد بجامعة شيكاجو توصلا فيه الي ضرورة تشكيل العقول بالتأثير في التعليم من خلال منح تقدم للطلبة لدراسة الاقتصاد في جامعة شيكاجو وهكذا انطلق في عام 1956 ما سمي بمشروع تشيلي الذي توسع اعتبارا من عام 1965 ليشمل طلبة من البرازيل و الارجنتين و المكسيك بمنح جديدة مقدمة من مؤسسة فورد و بالمقارنة بجامعة هارفارد او MIT التي لم تضم اكثر من اربعة او خمسة طلاب من امريكا اللاتينية فإن مدرسة شيكاجو اليمينية المحافظة صارت قبلة طلبة امريكا الجنوبية الذين يريدون دراسة الاقتصاد في الخارج وهو ما سيشكل المسار التاريخي لهذه المنطقة لعقود قادمة . و جاء في تقرير لجامعة شيكاجو عام 1957 موجه لممولي البرنامج في الحكومة و الشركات الكبري : ان الهدف المحوري لهذا المشروع هو تدريب جيل من قيادات المستقبل في العمل الاقتصادي في تشيلي . ولقد استخدم خوان جابريال فالدز وزير خارجية تشيلي في التسعينات كلمة استعمار ثقافي لوصف هذا النقل المنظم للايدولوجيا من امريكا الي دول في منطقة نفوذها . الا ان المأساه بالنسبة للشيكاجيين الذين ارادوا من تشيلي اداء دور الدولة النموذج لأمريكا الاتينية جاءت في 1970 عندما نجح اليسار في تولي الحكم من خلال انتخابات حرة تولي فيها سلفادو الليندي رئاسة البلاد و قام بتأميم مناجم النحاس التي تسيطر عليها كبري الشركات الامريكية و ايدته في ذلك الاحزاب الثلاثة الرئيسية وهنا تدخلت السياسة ممثلة في ادارة الرئيس نيكسون لاعطاء اولاد شيكاجو ( لفظ شائع لوصف خريجي مدرسة شيكاجو وكل من يعتنق ايدولوجيتها الاقتصادية ). ماكانوا يحلمون به اي الفرصة لتطبيق اليوتوبيا الرأسمالية من الصفر فالديموقراطية في تشيلي لم ترحب باولاد شيكاجو و الديكتاتورية ستكون هي النظام الملائم لفرض افكار اليمين المحافظ و كان انقلاب 1973 الشهير ضد الليندي و تولي الجنرال بيونشيه الحكم بتخطيط ومساعدة المخابرات الامريكية التي سبق لها تأدية نفس الدور في الستينيات في البرازيل بتولي الجنرال برانكو الحكم عام 1964 و في اندونسيا بتولي الجنرال سوهارتو عام 1965 الذي استعان بفريق من الاقتصاديين الاندونسيين تتشابه افكارهم مع اولاد شيكاجو و عرفوا باسم بركلي مافيا لكونهم خريجي جامعة كاليفورنيا في بركلي و هكذا كان الانقلاب علي الديموقراطية في تشيلي علي مسارين مسار عسكري للقضاء علي الليندي و مسار اقتصادي للقضاء علي افكاره ثم اعداد برنامج اقتصادي تفصيلي محرر في 500 صفحة بعنوان القرميد the brick وضعه عشرة اقتصاديين ثمانية منهم درسوا في جامعة شيكاجو وشكل القاعدة لقرارات بيونشيه الاقتصاديه و بذلك تحقق الانتصار الاول لمدرسة شيكاجو في ثورتها المضادة للافكار الاقتصادية السائدة من خلال تقنية فريدمان في العلاج و فرض الراسماليه النقية - علي حد تعبيره - تحت تأثير الصدمة وعدم الاتزان الذي يصاحب الازمات او الانقلابات او الكوارث الطبيعية ( استخدمت ادارة الرئيس بوش هذه التقنية في الولايات المتحدة نفسها مستغلة كارثة اعصار كاترينا لتفكيك العديد من المشروعات العامة و تحويلها للقطاع الخاص ) التي تدرب عليها مئات الاقتصاديين حتي يومنا هذا وتبلورت تطبيقاتها في التاتشرية في انجلترا و في الريجانية في الولايات المتحدة و في دول اوربا الشرقية و روسيا في التسعينات و العراق في الالفية الجديدة
و اود ان انبه القارئ الي ان تجربة تشيلي مع النيوليبرالية بقيادة اولاد شيكاجو انتهت بكارثة مروعة و انهيار للنظام المالي في عام 1982 و لم تجد الحكومة مخرجا لها التسعينات الا من خلال تأميم القطاع المصرفي و الرقابة علي الاموال الداخلة و الخارجة من البورصة للحد من المضاربة غير ان تشيلي تعهدت و اجبرت مؤخرا عند توقيعها علي اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة بعدم اللجوء لهذه الاجراءات مرة اخري في المستقبل
السطو علي العالم...التنمية و الديموقراطية في قبضة اليمين المتطرف....شريف دلاور
